الثورة-حمص-رفاه الدروبي:
حكايات ومشكلات اجتماعية قلبت حياة السوريين رأساً على عقب خلال سنوات الحرب العجاف التقطت بعض أحداثها في فيلم روائي طويل من إنتاج المؤسسة العامة للسينما تأليف وإخراج أوس محمد عنوانه “الظهر إلى الجدار” لينسج قصة مزج الجوانب الاجتماعية والنفسية وتأثيرها في حياتنا.. عرض على مسرح قصر الثقافة بحمص.
يسرد الفيلم حكايته هادئة بشفافية أحياناً ويتجه للقسوة في تفاصيل أخرى والولوج إلى روح أبطاله، وإظهار أدق أحاسيسهم ومشاعرهم “فقصي” أستاذ جامعي في كلية الإعلام يؤدي دوره الممثل السوري “أحمد الأحمد” أمَّا “ليث” “عبدالمنعم عمايري” فيصبح نزيل مشفى للأمراض النفسية تربط بينهما صداقة منذ الطفولة باعدتهما خطوات القدر بعد أن عصفت الحياة بليث وجعلته شاهداً على خسارة أسرته أمام عينيه ما أدَّى لوصوله إلى حالة صحية حرجة كانت نتيجة فقدانه التواصل مع محيطه ونفسه، ووجد في منطقة الضمير شبه ميت من الجوع والعطش، انفصل عن ماضيه وحمل اسما مختلفاً وبات يتعامل مع الآخرين وكأنَّه شخص آخر.
تتقاطع حكايات الفيلم والتغيرات النفسية وتصل درجات التناقض بين واقع مؤلم وماض أكثر بساطة وإشراقاً، العشرة القديمة بين أسرتين متجاورتين تحمل في طياتها العديد من الأشواق على أيام مضت.
يبدأ “قصي”رحلة البحث من الجارة القديمة “أم جورج” “فيلدا سمور” السيدة الحنونة من حي التجارة، فمختار القرية “فايز قزق” فقأت إحدى عينيه ويصر على ضم الإبرة بالخيط وبدون نظارة، أو الجار “أكثم حمادة” وصديقته ريما “لين غرة” فنانة تشكيلية، عصرية، منطلقة، جريئة، مستقلة وتبدو غير مبالية بما يحدث من حولها.
عرض الفيلم حدث واحد بينما جالت الكاميرا بين الأحياء المدمرة لتعرض نتفاً منها وسارت الأحداث بشكل روتيني عادي دون فواصل مضحكة نوعاً ما تخرجنا من هول الحدث وخاصة مشفى ابن النفيس ليعرض لنا ماوراء جدرانه وممراته الكئيبة باستثناء ظهور الطفل نهاية العرض يطلب المساعدة من الدكتور الجامعي.
رافق الفيلم موسيقا إياد حنا تعطي المتلقي شحنة من شجن ممزوجة بالإثارة فكانت متقنة منسجمة مع مجريات الفيلم وسط إضاءة خافتة تجعل المشاهد يشيح بوجهه تلقائياً عن متابعته وخاصة في المشاهد الداخلية للمشفى والمنزل.
بينما حركات الكاميرا تظهر صورة أخاذة تحاذي الحكاية وتحمل دلالات عدة وخاصة اللقطات العالية في موقع البانوراما مدخل دمشق ثم تدخل رويداً رويداً إلى دروبها وأزقتها وحاراتها وبيوتها الجميلة العتيقة وكأنَّه يترك الكاميرا تقول إنّه ماضينا العريق، وتسير الأحداث المريرة حيث تبين مجريات الفيلم عن جهد واضح وتعاون بين المخرج ومدير التصوير ناصر ركا في رسم المشاهد قبل تصويرها، مثل ظهور نبتة من الشوكيات على يسار الكادر وكأنَّها تبوح بشلل ضمني عن الحياة الواقعية المؤلمة.