الثورة – عبد الحليم سعود:
بالأمس عَبَر يوم الاستقلال الأميركي أو ذكرى “الثورة الأميركية”، حيث احتفل الأميركيون بالذكرى السادسة والأربعين بعد المئتين لاستقلالهم عن التاج البريطاني وسط أجواء عالمية لا تنذر بالخير، ولعلها مناسبة للتذكير بالسياسة الأميركية المتغطرسة التي جعلت العالم أكثر فوضى وأكثر حروباً وأكثر دموية كنتيجة مباشرة لأطماع النخب الأميركية الحاكمة وعقم الشعارات الإنسانية المرفوعة من قبل المؤسسات الأميركية.
لم يكن ما جرى في الولايات المتحدة الأميركية ما قبل العام 1776 مجرد حرب استقلال نظيفة عن الاحتلال البريطاني بل كانت حرباً أهلية دموية بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية قتل فيها مئات آلاف المدنيين إلى جانب 700 ألف عسكري، حيث حارب ما يسمى النظام الاتحادي بقيادة أبراهام لينكولن “الجمهوري” الانفصاليين في إحدى عشرة ولاية جنوبية كانت تعترض على قرارات واشنطن بإنهاء العبودية وتجارة الرقيق، إضافة لمصالح اقتصادية سعت الولايات الجنوبية لضمانها عن طريق الانفصال.
اليوم وبعد كل هذه السنوات ثمة من يسأل أين هي الولايات المتحدة من شعارات الاستقلال والحرية والمساواة التي كانت ترفعها في ذلك الزمن، وهل انتهى زمن العبيد والتمييز العنصري في بلاد العم سام..؟!
من الواضح أن الكيان الذي بنى أمجاده وحضارته المادية على جرائم المهاجرين والمستعمرين الأوروبيين البيض بحق الهنود الحمر سكان الأرض الأصليين وعلى جماجمهم لم يتغير، فما زالت النزعة العنصرية في أميركا تجاه الأعراق الأخرى من الملونين على أشدها، وفي كل عام تشهد الولايات المتحدة الكثير من حوادث الاعتداء والقتل بحق الملونين، وليست آخرها حادثة خنق جورج فلويد، ما يشير إلى تجذر هذه النزعة في نفوس أصحاب البشرة البيضاء من سكان أميركا.
تحتاج الولايات المتحدة اليوم لوقفةٍ مع نفسها من أجل مراجعة سجلاتها السوداء ولاسيما ما يحدث اليوم في المجتمع الأميركي من انقساماتٍ شديدة تجاه قضايا عديدة، فهناك ازدهار لظاهرة التسلّح الفردي في عدّة ولايات أميركية، تؤدي في كل عام إلى حوادث عنف تودي بحياة المئات من المدنيين، وهناك جماعات عنصرية تنتعش داخل البلاد ولاسيما ضدّ الأميركيين من أصل أفريقي ولاتيني “كما ذكرنا”، وهي عنصرية حاقدة تشمل الآن المهاجرين الجدد عموماً، وخاصة من أميركا الوسطى وأميركا اللاتينية ودول شرق آسيا والعالم العربي والإسلامي عموماً، وهي فضيحة بكل المقاييس تلطخ وجه أميركا التي تدعي الإنسانية وحماية حقوق الإنسان وتصنف الدول والشعوب في قوائم سوداء أو بيضاء تبعاً لأدائها في هذا المضمار.
أميركا التي تدعي أنها قامت بحرب من أجل الاستقلال عن الاحتلال البريطاني هي أكثر دولة في العالم تنتهك سيادات الدول الأخرى وتهدد استقلالها وتحاول مصادرة قرارها السيادي إما بالاحتلال المباشر أو بالحصار والعقوبات أو عبر دعم الإرهاب والمعارضات المسلحة فيها، وهي أكثر من قام برعاية ما يسمى “الثورات الملونة” لقلب الأنظمة والحكومات المناهضة للهيمنة والغطرسة الأميركية، وهي أكثر من يدعم الأنظمة الديكتاتورية والقمعية والكيانات المحتلة في العالم كما هي الحال مع الكيان الصهيوني الذي يغتصب فلسطين ويحتل الجولان العربي السوري ويعتدي على الدول العربية.
ببساطة النظام الأميركي الذي مضى علي قيامه أكثر من قرنين من الزمان هو نظام أفّاق مخادع لا يمكن الوثوق به أو بنواياه، ويمكن تحميله مسؤولية معظم المآسي الحروب التي تشهدها كرتنا الأرضية إذ تحتل العسكرة وبيع وتصدير السلاح قائمة اهتماماته، أما حقوق الإنسان واستقلال الدول وحرية الشعوب فهي أكبر ضحاياه.