الثورة – تحليل لميس عودة:
تدرك أميركا ولو خادعت و ناورت بزئبقية معهودة في إداراتها أن عقد هيمنتها وسطوتها انفرط، وتشظت حلقاته، وهالة نفوذها بدأت تتبدد، بعد أن لاح في الأفق العالمي بروز روسيا والصين كقطبين لهما ثقلهما في ميزان القوى العالمي، أثبتا حضورهما بكل جدارة واتزان، وأن استئثارها وتفردها بالقرارات العالمية لعقود لم يعد بمتناول أيدي إداراتها رغم كل الضخ العدائي واللعب على المتناقضات وإشعال الحرائق على اتساع رقعة جموحها العدواني في منطقتنا وعلى امتداد المساحة الدولية.
فعلى إيقاع الفزع من المتغيرات الدولية الصاخبة كانت خطوات الرئيس الأميركي جو بايدن المرتبكة في منطقتنا للتأليب الغبي على موسكو وبكين المتعاظم حضورهما بثقة قوية وروابط متينة مع دول المنطقة وباحترام العلاقات البينية والقرارات السيادية وحفظ أمن واستقرار وسلام شعوب المنطقة، وحديث بايدن عن أن هدف جولته في منطقتنا لمنع ملء الفراغ في الشرق الأوسط من قبل الصين وروسيا يندرج في سياق النهج الأميركي المتغطرس الذي يتجاهل سيادة ومصالح دول هذه المنطقة في المقام الأول، ويأتي أيضا في إطار الهجمة المسعورة التي تشنها إداراته على بكين وموسكو في مساع فاشلة لإزاحتهما عن مشهد بروزهما باقتدار كقطبين دوليين واعدين وخلاقين يرسمان خريطة العالم الجيوسياسية بأقلام التمكن والتفوق واحترام حقوق الدول وسلام وأمن شعوبها.
الصين التي تدرك حالة الهلع الأميركي من المتغيرات الدولية ومن منطلق احترامها لقرارات دول المنطقة السيادية ردت على لسان المتحدث باسم خارجيتها وانغ وينبين بالقول: إن “الشرق الأوسط ليس باحة خلفية لأحد، وإنه لا يوجد في الشرق الأوسط ما يُسمى “الفراغ”، وإن شعوب “الشرق الأوسط هم سادة المنطقة”، مضيفاً أن “أكثر ما ترغب فيه شعوب الشرق الأوسط هو التنمية وأشد ما تحتاج إليه هو الأمن”.
بالرغم من كل ترهات بايدن ونفخه في قرب التجييش العدائي المثقوبة فان الحقيقة تؤكد أن واشنطن لم يعد بمقدورها في ظل تنامي معسكر ضخم يواجه جبروتها ويكبح تمادي عنجهيتها قادرة على تلوين خريطة المنطقة والعالم بألوان هيمنتها المطلقة وفرض مشيئتها التي تنتقص من سيادة دول ترفض المساس باستقلالية قراراتها، فمعادلة القوة الموازية بات يكتبها منطق عسكري وسياسي وتحالفات استراتيجية قوية وممتدة على رقعة عالمية واسعة.
وكل المؤشرات باتت تدلل بوضوح على أن نفوذ أميركا إلى أفول عالميا بحكم المتغيرات المتسارعة، وانه بات على إدارتها توسيع عدسة رؤية الحقائق الجلية وعدم النظر بعينين من زجاج للقضايا والملفات الدولية، وإدراك ثقل التحالفات في الميزان العالمي، وعليها التعاطي مع الملفات الدولية بحكمة وروية بعيدا عن استعراض الجبروت التسلطي للخروج من عنق زجاجة التخبط، فالأمور تسير بمنأى عن رغباتها، ووفق ما تريد الدول التي ترفض التسلط الأميركي، إذ تعقد هذه الدول تحالفاتها وتمد جسور روابطها سياسياً واقتصادياً مع من يحترم حقوقها ووحدة أراضيها وقراراتها الوطنية .
