الثورة – أيمن الحرفي:
الطفل هذه الشخصية الإنسانية التي تريد أن تثبت ذاتها و تحجز مكانها المناسب في هذا الكون، يعترض، يقاوم يعاند، يحب، يكره، يستجيب، يرفض. كلمات يتداولها الأهل فيما بينهم و هم يبالغون في الحرص على أولادهم، فالأم لا تترك له فرصة للالتقاء مع الأصدقاء والجيران والأقارب، تلبي جميع طلباته، حتى ملابسه تساعده فيها ولا تأكل حتى تطعمه بيدها وكأنها لا تريد لحبل السرة أن ينقطع بينها وبين طفلها.. ويتناسى الأهل بذلك ضرورة تعويد أطفالهم الاعتماد على أنفسهم وضرورة التدرج في تلقينهم وتعويدهم الانتقال من التواكل إلى الاستقلالية والاعتماد على أنفسهم و بذلك يتخطون حياة الطفولة ليقيموا علاقات أصيلة يتوزع فيها الأخذ مع العطاء والخيال مع الطموح فيندمج بالمجتمع و يعتمد على ذاته فلا تصل بطفلها إلى شخصية اتكالية مهتزة غير قادرة على التأقلم مع المواقف و لا اتخاذ القرار و شخصية غير مستعدة لمواجهة تحديات و متطلبات الحياة.
و الحل يبدأ من الأب أو الأم أو كليهما و ذلك بالحرص على تنمية سلوك الاعتماد على أنفسهم حتى و منحهم الفرص التي تدفع بهم تدريجياً الى اتخاذ مواقف فاعلة في الحياة من خلال إشراكهم في أعمال تتناسب مع قدراتهم الذهنية و البدنية و مع عمرهم الزمني و في نشاطات تعزز من ثقتهم بنفسهم و تزيد من قدراتهم و خبراتهم للتعايش مع الحياة كأفراد مستقلين و ناجحين في المجتمع. الجدير بالذكر أن إفراط الأم في حماية طفلها تحت شعار رعايته سيؤدي إلى الإضرار ببناء شخصيته و بصحته النفسية و سيسبب له أشكالاً مختلفة من المظاهر العصابية و منها ما أسماه علماء النفس ( الهلع المدرسي ) فيرفض الذهاب إلى المدرسة لأنه يخشى الابتعاد عن أمه التي حالت بينه و بين تكامل مقومات شخصيته بإبقائه تابعاً لها فلا تتيح له تأكيد ذاته و تزعزع ثقته بنفسه، يشير الباحث التربوي و الاجتماعي عبد العزيز الخضراء إلى أن: “الأطفال الذين لم يمنحوا فرصاً للتعامل مع غيرهم لن ينالوا نصيبهم من الاستقلالية وسيكشفون خلال مجريات حياتهم عن عقد دفينة في شخصيتهم مثل التمركز حول الذات أو التشبث بأحد الوالدين.
إن افتقار الطفل لإبداء بعض الاستقلالية الصادرة عن الأبوين يخلق ذوباناً عاطفياً في الأهل أي التبعية المفرطة التي تبعده مستقبلاً عن أن يكون متميزاً عن الآخرين وهذه التبعية توقظ عدواناً كامناً كردة فعل نفسية تجاه الذات و تجاه الأهل والمحيط و الكون، عدوان يغذي بدوره مشاعر الذنب التي تؤدي إلى تعميق التبعية كمحاولة نفسية لا واعية لاسترضاء الأهل،” لذا علينا أن نبذل الجهد المتناغم عبر جدول زمني يمكن تطبيقه ضمن عناصر أساسية تضمن نجاحه و هي الآذان الصاغية و المهارات التربوية واكتساب الآفاق الجديدة في التفكير و العمل تساعد على توجيه الطفل و تفهم مشاعره و تفكيره عبر الحوار الهادئ البناء.