الملحق الثقافي:
حين انهار الاتحاد السوفييتي، تصدع ركن من أركان القطبية العالمية، ليس في السياسة وحدها، لا، بل في كل شيء، الثقافة والاقتصاد والمعرفة والثقافة والتوجهات الكبرى، وكان لهذا الانهيار وقع كبير مازالت تبعاته تتوالى حتى الآن، ويمكن القول بكل بساطة: إن من لايقرأ ما يجري الآن من خلال حدثين مهمين جداً وقعا في القرن العشرين، لهو أعمى البصر والبصيرة، الأول: حرب تشرين التحريرية التي خاضتها سورية، جيشاً شعباً، أعد لها القائد المؤسس حافظ الأسد، والثاني انهيار، بل تفكيك الاتحاد السوفييتي.
الحدث الأول أعاد العرب إلى الواجهة، إذ ظهرت سورية قوة فاعلة، قادرة على الفعل والإنجاز .وكل ما توالى بعد ذلك، كان محاولات لكسرها، وبما يجري الآن، فالغرب لايريدنا خارج غطار قطيع الغنم الخليجي مستهلكين، نحمل دفاتر الشيكات ندفع، نتسوق، نعربد، نلهو، ونقاد إلى حتفنا كما الخراف، لا، بل أضل سبيلا، إذ إن الخراف يسمح لها أن تقاوم وهي تقاد إلى المسلخ، ونحن عفواً، أعرابنا وبرضى تام يمشون إلى حتوفهم.
أما الحدث الثاني (تفكيك الاتحاد السوفييتي وما كان من تصدعات عالمية مازالت لحد الآن لم ترمم، كان القائد المؤسس حافظ الأسد قد أشار إليه في خطاب له حينذاك، إذ قال بما معناه (إن ما يجري خطر جداً، ولسوف تستمر تداعياته لعقود من الزمن).
والآن بعد مضي ما يقارب ثلاثة عقود على الحدث ؟ كيف تبدو الحال ؟ ماذا جرى ولماذا، ومن المسؤول، هل رمم الصدع، ومن يفعل ذلك ؟ الباحثون الروس، قدموا قراءات نقدية وتحليلية، شخصوا المشكلة، وعرفوا الداء والدواء، ومن هؤلاء:سيرغي قره – مورزا. مؤلف كتاب: الاتحاد السوفييتي من النشوء إلى السقوط، الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمه إلى العربية: د.شوكت يوسف.
في هذا الكتاب المهم جداً قراءات معمقة لما جرى، والباب أو المدخل الأساس كان هو الثقافة، نعم، بدأ العمل على تفكيك الاتحاد السوفييتي ثقافياً، وفكرياً، وكما هي الحال في الحرب التي نواجهها في سورية، البداية، المدخل الثقافة، الوعي، التربية، اختراق الإنسان السوري، ولهذا يستشهد المؤلف أيضاً بالحالة السورية في كتابه.
سيكون من الصعوبة بمكان أن نوجز الكثير مما قاله، لكن من المهم جداً الإشارة إلى الفصل المعنون بـ: تدمير الثقافة وكذلك ك تفكيك الشعب يقول: انزل الكذب ضربة قوية بالثقافة. كان مملوءاً بالكذب الخطاب الإيديولوجي للبريسترويكا حيث صورها شكلاً من التحول إلى دولة ديمقراطية والقانون، كان هذا كذباً ..ويضيف في مكان آخر قائلاً: الوسائل المستخدمة في ضرب الثقافة القديمة إجرامية في الغالب استبعدت من الفضاء الروحي لروسيا طبقات كاملة من الثقافة، بلوك، غوركي، وسطور كثيرة من إبداعات تولستوي وسيرغي يسنين، ومعظم الأغاني والأناشيد الثورية، هذا الاجتياح للوحة الثقافية الحاصل تحت شعارات الديمقراطية ضرب من خيانة الوطن.
إسقاط الشعب
في مكان آخر يرى الباحث أن إسقاط أي قوة مهما كانت كبيرة يبدأ بإسقاط الشعب، وذلك عن طريق خلق أقوام أخرى بديلة، مصطنعة (لاحظوا الحالة السورية، وما جرى من محاولات لفعل ذلك، واستقدام آلاف المرتزقة والكارثة الكبرى فيما تركه هؤلاء من لقطاء …….).
ويشير إلى خطأ المفكرين السوفييت والقيادات حين ظنوا أن الشعب لايضيع (أخطاؤنا أننا فكرنا أن الشعب لايضيع، هل فكرنا بالحفاظ عليه، وكأننا حصلنا على الشعب من الأسلاف كمعطى جاهز ولم نفكر أنه يحتاج كأي جهاز أو منظومة إلى الحماية والعناية به وصيانته، يبقى الشعب حياً ما دامت كل أجزائه …..سلطاته، تعمل باستمرار من أجل المحافظة عليه، وقد تطلب تدمير الاتحاد السوفييتي تدمير الشعب، لذا باتت بعثرة الشعب السبب الرئيس للأزمة، نعم حولوا الشعب إلى ذرات هائمة ……).
المفكرون الروس أعادوا قراءة الواقع ووضعوا الدواء، فهل نستفيد من القراءات، هل يقرأ من يعنيهم الأمر عندنا في التربية والثقافة والتعليم والإعلام هذا الكتاب، هل نبدأ بصون وعينا وثقافتنا، وكيف ..؟
العدد 1105 – 2 – 8-2022