الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم :
أثارت ثورة الاتصالات، والثورة الرقمية وتحول العالم إلى قرية صغيرة يمكن التنقل بين جنباتها بلمح البصر،أثارت الكثير من التطورات والتغيرات شملت العادات والسلوكيات والطبائع والاهتمامات؟
ولعل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وما أحدثته في حياة الناس من تحولات،وخاصة فئة الشباب التي أصبحت هذه الوسائل في مقدمة اهتماماتها ما انعكس على نفسيتها وثقافتها وتراجعها في الكثير من المجالات مثل القراءة والاهتمام باللغة العربية،لغة العلم والتعلم،هذه اللغة وفي غمرة انتشار منصات وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وواتس آب وتويتر وأنستغرام و….واجهت اللغة العربية أزمة تمثلت بعزوف الشباب عن اللغة الفصحى واستبدالها بالعامية واستخدام مصطلحات هجينة غريبة في محاداثتهم ومنشوراتهم،ولا يخفى على أحد الآثار السلبية لذلك،وما تتركه هذه السلوكيات من إفساد للذائقة اللغوية وتشويه لها وضعف الارتباط بها مما يزيد الفجوة بين الشباب ولغتهم الأم !؟
صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للكثيرين ممن هجروا القراءة والكتابة بالعودة إليها،إلى جانب دورها في تكوين الرأي العام حول مختلف القضايا التي تتعلق بالفرد والمجتمع،إلى جانب نشر الثقافة والمعرفة والمعلومة بيسر وسهولة،لكن في الوقت نفسه لم تسلم اللغة من التشويه والإفساد ونشر الكثير من المقالات في منصات التواصل الاجتماعي تعج بالأخطاء النحوية والإملائية في ظل غياب أي إشراف أو متابعة من قبل مختصين باللغة وتصويب وتصحيح ما يلزم قبل نشره.
ومن مفارقات وسائل التواصل ظهور الكثير من الملتقيات والمنتديات والمنابر الأدبية والثقافية والعلمية تنشر ما هب ودب من موضوعات دونما تدقيق لغوي وبالتالي ساهمت وتساهم مثل هذه الملتقيات
في ترسيخ الأخطاء والتعامل معها على أنها شيء عادي وطبيعي ..؟!
إن التأقلم مع الأخطاء اللغوية التي نلحظها عبر وسائل التواصل الاجتماعي يسهم بشكل كبير في إضعاف الذائقة اللغوية عند الشباب والابتعاد عن اللغة الفصحى وجمالياتها وتنوعها وغناها وهذا بكل تأكيد يزيد الهوة بين الشباب ولغتهم ؟!
فالهوة بالأصل موجودة، وهناك ضعف باللغة العربية بين التلاميذ والطلبة سواء في المدارس أو الجامعات،هذا الضعف له أسبابه ومسبباته، ويحتاج طرحه لمقالات منفصلة قد نأتي عليها في أوقات لاحقة.
والمتتبع لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي يلحظ ابتعاد مستخدميه عن اللغة الفصحى والاتجاه للعامية والتي يراها البعض أسهل،أو لأن الفصحى تحتاج إلى دقة وفهم ودراية،حتى إن الكثيرين يكتبون على تلك المنصات كما ينطقون مثلاً :التقرير يكتبونه التأرير…الثقافة يكتبونها الثأفة و….
إلى جانب إنتشار الرسائل النصية والملصقات الجاهزة ولمختلف المناسبات والتي لا يخلو بعضها من أخطاء نحوية وإملائية. .حيث يقوم جماعة القص واللصق بنشرها على صفحاتهم أو عبر ما يسمى الملتقيات أو المنتديات أو…
إذا هناك تحديات كبرى أمام لغتنا العربية بحاجة إلى إعادة تصويب البوصلة والاهتمام بها،وجعلها في مقدمة وأولويات شبابنا من خلال توجيههم بمختلف الوسائل المتاحة بدءاً من المدرسة وتحفيزهم على القراءة والكتابة بلغة عربية فصحى وتعزيز ثقتهم بلغتهم والتي تشكل الهوية والانتماء ..
العدد 1106 – 9- 8-2022