بالكثير من الشغف قال لأصدقائه واصفاً الحياة في تلك البلاد: “هناك لست مضطراً للحلم، فكل ما تطلبه بين يديك”…
حقيقة لم يعرف أحد من الحاضرين توضيحاً لما أراده ذلك الشاب من عبارته تلك، فتعريف الحلم يختلف من إنسان لآخر، فهناك من يحلق عالياً بأحلام مستحيلة، تنطوي على كم هائل من الغرابة، لأنها منفصلة عن الواقع، والغريب أن هذا الحالم يتصرف على أن أحلامه حقوق مكتسبة، على كل من حوله أن يقدمها له على طبق من ذهب، دون أن يسعى ولو بخطوة لتحقيقها بنفسه، فيصير التعاطي مع المجتمع المحيط مشحوناً بالقلق والفشل، وكيل الاتهامات في جميع الاتجاهات، دون أن يكلف نفسه مجرد السؤال عن مشروعية هذه الأحلام، المستندة أساساً للتقليد الأعمى، لحالات ربما مرت أمامه، أو تخيل حدوثها، فاقتنع وربما توهم أن ما رأى وتخيل هو الأحق أن يكونه، وأن يعيش أفضل منه بدرجات، خصوصاً عندما يرى عدداً من الشبان حديثي النعمة، يبالغون في نوع السيارة وارتداء المجوهرات وماركات الثياب العالمية، ويشاهد غيرهم يكاد ينهار ليقبل “نجماً” من نجوم الفوضى الجديدة على خشبة مسرح محلي أمام عدسات المصورين ووسائل التواصل والإعلام الحديث، فيصبح “تريند” الحاضر، وحديث الجمهور، ويحقق ملايين المشاهدات.
هنا تتوقف عجلة التفكير وتتوه التفسيرات المنطقية أمام ما وصلنا إليه.
لنعترف أولاً أن الحلم حالة إيجابية تحفز العقل على الإبداع، وحتى تجاوز الممكن، شريطة أن نملك أدوات تحقق الحلم، ونثق بما لدينا من إرادة، وطاقات ظاهرة، أو كامنة، تجعل حلمنا قابلاً للتحقق، ثم لنقولها بكل وضوح، ماذا قدمنا أفراداً ومؤسسات من منصات قوية، تشجع الشباب على تحقيق أحلامهم، أو جعلها ممكنة التحقق تدريجياً، وكم نجحنا في برامجنا التربوية وخطواتنا الحالية والمستقبلية في احتضان أحلام الشباب، ومبادراتهم، وأين البرامج العلمية، والمستقبلية التي تساعد على تحقيق ذلك؟!.
كلمة حق تقال : ليس الشباب وحدهم المسؤول عن هذا التردي، وعن فانتازيا أحلام الواقع، التي نراها في تفاصيل حياتنا، حيث تغيب الرقابة والخطط والحلول، وتزداد المغريات والصور والتناقضات، التي تتجول حولنا في الطرق والكافييات، والمطاعم والمسابح، ومحلات الثياب، وفي موديلات السيارات الفارهة، والأجهزة النقالة، الأحدث عالمياً، حيث يصعب على أي كان أن يمنع من ينتظر ساعات ليحشر في وسيلة نقل عامة، من أن يحلم بالقليل من الرفاهية، أو يمنع طفلاً يرتجف من البرد والجوع من الصراخ… فأن نشعل شمعة أفضل من قهر الظلام بالوعود والكلام… فهل نفعل؟!.
بشار الحجلي