الثورة- عبد الحليم سعود:
في تطور لافت وخطير يكشف نوايا النظام التركي العدوانية تجاه سورية ويقدم الدليل تلو الدليل على السياسة التركية الخبيثة والانتهازية في المنطقة، أطلقت قوات الاحتلال التركي تحذيرات عبر مكبرات صوت في مساجد المدن الحدودية المحاذية لمدينة جرابلس بريف حلب، تطالب فيها الأهالي بالتزام منازلهم تمهيداً لبدء عدوان جديد على الأراضي السورية، وهو ما يضرب بعرض الحائط كل تفاهمات آستانة مع الجانبين الروسي والإيراني، ويقلب الطاولة على كل اتفاقيات خفض التصعيد الموقعة في مسار آستانة وتفريعاته، إذ من الواضح أن النظام التركي بات أسير مخططاته وأطماعه في سورية ولم يعد يبالي بالقانون الدولي أو بالتفاهمات التي تؤكد على احترام سيادة وسلامة ووحدة الأراضي السورية.
منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية في العام 2011 اختط نظام أردوغان الفاشي لنفسه سياسة إخوانية مريضة تقوم على استعادة “أمجاد” السلطنة العثمانية البائدة في كل المنطقة وهذا ما رأيناه في مصر وتونس وليبيا والعراق وسورية، وقد تجسدت هذه السياسة الوقحة بكل مفاعيلها الإجرامية خلال المعركة الفاصلة التي خاضها جيشنا البطل والقوات الرديفة والحلفاء لتحرير مدينة حلب في العام 2016 من رجس التنظيمات الإرهابية المدعومة تركيا”، حيث رمى أردوغان بكل أوراقه القذرة في هذه المعركة الاستراتيجية، لكنها احترقت جميعها على أسوار مدينة حلب نتيجة صمود أبناء المدينة ومؤازرتهم لجيشهم وقيادتهم، ليتركز اهتمام نظام أردوغان على الريف الحلبي من أجل تعويض إخفاقاته في تحقيق أطماعه وطموحاته العثمانية، وهو ما تجسد في عدد من العمليات العدوانية ضد الأراضي السورية، بدأت الأولى في عام 2016 تحت اسم “درع الفرات” بذريعة منع ما تسميه تركيا “إنشاء ممر إرهابي” على حدودها الجنوبية، رغم أنها كانت المساهم الأول في تصدير وتمرير كل أشكال الإرهابيين والمرتزقة إلى سورية، حيث تذرعت حينها بنشاطات حزب العمال الكردستاني المصنف على لوائحها الإرهابية.
أما العدوان الثاني أو العملية الثانية، فأطلقت تحت مسمى “غصن الزيتون”، في كانون الثاني 2018 في منطقة عفرين شمال غرب سورية. أما العدوان الثالث أو العملية الثالثة فتم شنها في تشرين الأول 2019 تحت مسمى “نبع السلام” ضد ما يسمى ميليشيا قسد العميلة للاحتلال الأميركي، وقد أعلن النظام التركي حينها أن هدفه إنشاء منطقة آمنة على الحدود التركية السورية بعمق 30 كلم وطول 432 كلم. وقد انتهت هذه العملية بتوافقات وتفاهمات تركية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا تعهدتا بموجبها بإبعاد مسلحي “قسد” حتى عمق 30 كلم من الحدود.
وأما العدوان الأخير أو العملية الأخيرة والتي جرت في شباط من هذا العام فأطلق عليه ما يسمى “درع الربيع” وكانت مختلفة نوعاً ما إذ شاركت فيها تنظيمات إرهابية تعمل بإمرة نظام أردوغان واستهدفت نقاط تمركز الجيش العربي السوري بعد أن سقط عشرات القتلى في صفوف الجيش التركي الذي يقدم الدعم والمؤازرة للإرهابيين في جبهات مختلفة ولاسيما على جبهة إدلب.
اليوم يعود نظام أردوغان لاختراع ذرائع جديدة من أجل استكمال مخططاته الفاشلة في سورية، غير أن هذه المرة الأمور مختلفة، بعد أن سقطت كل ذرائعه السابقة بحماية الأمن القومي التركي المزعوم من النزعات الانفصالية، فأطماعه في سورية تاريخية وهي ليست بعيدة عن تركيا كقوة عسكرية تابعة لحلف الناتو، حيث التنسيق على أعلى المستويات مع الجانب الأميركي والصهيوني اللذين لا يريدان أن تستتب الأمور في سورية أو أن تستعيد سورية مكانتها ودورها على الصعيد الإقليمي، ولكن حسابات الحقل مختلفة عن حسابات البيدر، فأردوغان لم يستفد شيئا من الدروس الكثيرة السابقة ومازال يراهن على السراب في سورية، وهمه الخروج من أزماته الداخلية وتكريس نفسه كطاغية مستبد على مستوى تركيا والمنطقة.