الثورة – حسين صقر:
كثيراً ما نسمع عن التلوث البيئي نتيجة الغبار والأدخنة ومخلفات المعامل والمصانع والتي تؤذي الرئتين، ولكن لم نسمع قط عن التلوث السمعي، ولكن نشعر به اينما توجهنا وحللنا، بدءاً من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، مروراً بوسائل التواصل حيث درجت موضة تسجيل الفيديوهات الشخصية، وليس انتهاء بمناطق السكن والطرق والأماكن العامة، وحافلات النقل، وكل يوم نسمع عن نجم جديد سطع في سماء “الفن”.
والتلوث السمعي ليس بالصوت واللحن النشاز، ولكن في الكلمة النشاز أيضاً والتي ليس لها دلالة أو معنى، وهذا يذكرني أثناء صعودي في النقل الداخلي بأغنية مثلاً “تلفن عياش” والتي بدأها الفنان صاحب الأغنية من دوار كفر سوسة ولم ينته بترديد هاتين الكلمتين حتى الآداب، ونزلت من الباص ولم أعرف إذا “تلفن عياش أم لم يتلفن”، مايدفعنا للخوف والقلق حتى نطمئن على عياش ومن ينتظرون صوته الرخيم.
احترام أذواق الناس والمتلقين على اختلاف أعمارهم واهتماماتهم وانتماءاتهم أمر في غاية الأهمية، واختيار ما يناسبهم على حد سواء دون أي تخصيص، يفوق ذاك الأمر مرة أخرى، لأن الإزعاج لا يأتي بممارسة الأفعال الواقعية، ولكن الإساءة تأتي عبر الأثير، حيث يجلس أحد الجيران على شرفة منزله، ويبدأ بإطلاق الموال تلو الآخر، ولاسيما في أوقات القيلولة، وعندما يعود الناس من أعمالهم، يخلدون ساعة للنوم أو الاسترخاء، ليأتي صاحب المواويل الحزينة، والكلمات التي لا تتطابق مع بعضها، وتبعد عن بعضها أسفاراً.
بالإضافة للتلوث السمعي، هناك التلوث البصري، حيث نجد بعض هؤلاء النجوم من الجنسين يرتدون ملابس جعلت الفتيات والشباب يقلدونهم، لأنهم يعدّون هؤلاء قدوة ومثلاً لهم حيث نجد الكثير ممن يحاكي موضاتهم في اللباس وحلاقة الشعر وغير ذلك، ولهذا من الضروري اتخاذ الخطوات الضرورية لتطهير المناخ الفني بشكل عام من الأوضاع والطقوس السيئة التي عرفها خلال السنوات الأخيرة، و أن تكون هناك مشاريع نبيلة للارتقاء بالفن على اختلاف أنواعه، بدءاً من ملابس الفنانات التي أصبحت طريقاً للارتزاق والرشى، وانتهاء بأمور أخرى يستخدمونها لتغطية النقص الحاصل في الموهبة، خاصة وأن الساحة الغنائية امتلأت بأعمال هابطة و احتلت أماكن عالية لا تستحقها، و السبب في ذلك هو الجمهور الذي يصنع من شيء فاقد القيمة، أسطورة يتحاكون عنها، بمعنى ألا نضع كل الحق على القائمين على هذا المجال، وهذا لايعفي بعض الجهات من محاسبة مصدري الأصوات المزعجة، ففي بعض الدول يحاسب القانون كل من يغني بالطريق أو في منزله ويُسمع غيره أصواتاً جهورية نشاز.
لقد وصل بنا الحال إلى أنه كلما سمعنا أغنية أو نشيداً من تراث أيام زمان، نشعر بالأسى على معظم ما يروج له من أغانٍ في زماننا هذا، حيث التشابه يحكم معظم ما نسمعه من كلمات وألحان، في الوقت ذاته نشتاق لأغان عظيمة ما تزال حية في الذاكرة، ألَّف كلماتها شعراء كبار بالفصحى والعامية، وأطربنا بها فنانون كبار، وعندما نسمعها تنتشي ذاكرتنا وتفرح أرواحنا، ولهذا يجب ألا ننسى أن التطور ومجاراة العصر والفنون العالمية المختلفة لا يعني إغفال تراث الماضي والانحدار إلى مستويات لايمكن الخروج منها.