الثورة – نيفين أحمد
تشهد الساحة السياسية السورية مرحلة جديدة من التحول الدبلوماسي مع إعلان واشنطن عن بدء إجراءات إلغاء قانون قيصر لعام 2019 الذي شكّل على مدى ست سنوات أبرز أدوات الضغط الاقتصادي والسياسي على دمشق ويُنظر إلى هذه الخطوة بوصفها مؤشراً على انفتاح سياسي جديد يحمل فرصاً للنهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات تنفيذية كبيرة أمام الدولة السورية.
تحول في الموقف الأميركي
فبحسب موقع البيت الأبيض الرسمي أصدر الرئيس الأميركي في 30 حزيران 2025 أمراً تنفيذياً يقضي بإنهاء العمل بمعظم العقوبات المفروضة على سوريا على أن يدخل القرار حيز التنفيذ مطلع العام المقبل.
ويشير نص القرار إلى “إزالة أكثر من 500 اسم من قوائم العقوبات الأميركية” مع الإبقاء على عدد محدود من الأفراد والجهات المتهمة بـ“انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو دعم الإرهاب”.
أما صحيفة “فورين بوليسي” الأميركية فقد رأت أن التوجه الجديد “يعكس تحوّلاً في مقاربة واشنطن للملف السوري ومحاولة لإعادة فتح قنوات دبلوماسية مع دمشق في ظلّ التحولات الإقليمية”.
وفي السياق ذاته أكدت وكالة “أسوشيتد برس” أن الإدارة الأميركية “منحت وزارة الخزانة صلاحيات لإصدار تراخيص مالية عامة تسمح بعودة محدودة للأنشطة التجارية والمصرفية في سوريا بما في ذلك مشاريع الطاقة والبنى التحتية والزراعة”.
جهود تشريعية داخل الكونغرس
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية فإن مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي تقدّموا بمشروع قانون لإلغاء قانون قيصر نهائياً مع الإبقاء على آليات لمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان.
وأشار التقرير إلى أن “المقترح يحظى بدعم من جماعات سورية – أميركية مؤثرة في واشنطن ترى في الإلغاء خطوة تمهّد لإعادة دمج سوريا في النظام الاقتصادي الدولي”.
من جانبها نقلت شبكة “بي بي سي” عن مصادر دبلوماسية في نيويورك أن “التحركات الأميركية جاءت بعد مشاورات موسّعة مع شركاء أوروبيين وعرب وأن الهدف هو تمهيد بيئة سياسية واقتصادية ملائمة لإعادة الإعمار واستقرار المنطقة”.
انعكاسات اقتصادية واسعة
بحسب وكالة “رويترز” فإن رفع القيود الاقتصادية عن دمشق “قد يفتح الباب أمام استثمارات بمليارات الدولارات في مجالات الطاقة والزراعة والنقل”، مشيرة إلى أن الاقتصاد السوري “فقد أكثر من 80 بالمئة من قيمته منذ 2011 بسبب الحرب والعقوبات”.
كما أوضحت صحيفة “فاينانشال تايمز” أن بعض البنوك الأوروبية بدأت بالفعل “تقييم إمكانية استئناف العلاقات المصرفية مع نظيراتها السورية تمهيداً لعودة تدريجية إلى النظام المالي العالمي”.
وفي تقرير صادر عن مركز الدراسات البريطاني ODI حذر الخبراء من أن “رفع العقوبات وحده لا يكفي لتحقيق انتعاش سريع، ما لم ترافقه إصلاحات داخلية عميقة في الإدارة الاقتصادية والقطاع المصرفي”.
أما موقع “العربي الجديد” فقد اعتبر أن “الإلغاء المنتظر لقانون قيصر يمثل اختباراً لقدرة المؤسسات السورية على استيعاب التحول الاقتصادي وإعادة الثقة بالمناخ الاستثماري”.
تحديات أمام التنفيذ
أكدت “رويترز” في تقرير أن “الاقتصاد السوري لا يزال يعاني من ضعف البنية التحتية ونقص الطاقة والتمويل، إضافة إلى استمرار بعض العقوبات الأوروبية التي لم تُلغَ بعد”.
في المقابل نقلت وكالة “شينخوا” الصينية عن مصدر حكومي سوري أن دمشق “ترحب بالإجراءات الأميركية الأخيرة وتعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح”مؤكدة أن “الحكومة تعمل على إعداد خطّة اقتصادية وطنية شاملة لمرحلة ما بعد العقوبات تركز على تشجيع الاستثمار المحلي وإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية”.
آفاق جديدة للدبلوماسية السورية
تُجمع معظم التحليلات الدولية على أن إنهاء قانون قيصر يمثّل نجاحاً دبلوماسياً مهماً لسوريا بعد سنوات من العزلة السياسية والاقتصادية. فبحسب صحيفة “الشرق الأوسط” فإن هذه الخطوة “تفتح الباب أمام عودة تدريجية لسوريا إلى المشهد الإقليمي وتعزز من مكانتها كشريك اقتصادي في مشاريع الربط الطاقي وإعادة الإعمار”.
وفي ضوء ذلك يرى مراقبون أن المرحلة المقبلة تتطلب إدارة دقيقة للفرص التي يتيحها هذا الانفراج من خلال تعزيز الشفافية وضمان بيئة قانونية واقتصادية مشجّعة والانفتاح على التعاون مع المؤسسات العربية والدولية
إلغاء قانون قيصر أو تخفيفه بشكل جذري يمثل تحولاً استراتيجياً في علاقة سوريا بالعالم وفرصة لإعادة بناء الاقتصاد الوطني واستعادة الثقة الدولية.
لكن النجاح الحقيقي كما يخلص تقرير “فاينانشال تايمز“سيعتمد على قدرة الحكومة السورية على تنفيذ إصلاحات جدية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة وضمان أن تكون عوائد الانفتاح في خدمة المواطن السوري أولاً”.