تنظيم تداول الذهب.. رافعة اقتصادية 

الثورة  – عبد الحميد غانم  

في خطوة تعكس توجهاً نحو تحرير القطاع الاقتصادي، أعلن مصرف سورية المركزي عن خطّة جديدة لتحرير وتنظيم تداول الذهب، تشمل تعديل قوانين الاستيراد والتصدير، وترخيص المصافي الوطنية وفق المعايير الدولية.

في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي عامر ديب رئيس مجلس النهضة السوري أن هذه الخطوة “قد تشكّل رافعة اقتصادية إذا تم تنفيذها بذكاء وشفافية ورؤية استراتيجية، لكنها في المقابل قد تحمل مخاطر كبيرة إذا لم تُضبط جيداً”.

وقال ديب في تصريح خاص لـ”الثورة”: إن هذه الرؤية تستحق التحليل المتعمق، فهي تلامس جوهر الإشكالية في أي عملية تحرير اقتصادي.

بناء الثقة

مشيرا إلى أن السوق السوداء للذهب في سوريا تمثل تحدياً هيكلياً في النظام الاقتصادي، إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى أن حجم تداول الذهب خارج المنظومة الرسمية يفوق التداول الرسمي بأضعاف.

لافتاً  إلى أن قرار التحرير المدروس يمكن أن يحول جزءاً كبيراً من هذه التداولات إلى القنوات الرسمية، مما يوسع القاعدة الضريبية للدولة، ويوفر بيانات دقيقة عن حركة الذهب تساعد في رسم السياسات الاقتصادية الكلية.

وأكد الخبير الاقتصادي أن الذهب  يمثل أحد أهم أشكال الاحتياطيات الدولية، وفي ظلّ العقوبات الاقتصادية الدولية على سوريا، يصبح الذهب وسيلة مهمة للحفاظ على القيمة وتنويع الاحتياطيات بعيداً عن العملات الأجنبية التي تواجه قيوداً في التداول.

وقال: إن تحرير تداول الذهب مع ضبط عمليات الاستيراد والتصدير يمكن أن يسهم في زيادة الاحتياطيات الذهبية للدولة، مما يعزز ثقة المستثمرين والمواطنين بالاقتصاد الوطني.

تحفيز الاستثمار

ونوه ديب بأن قطاع الذهب في سوريا يمتلك تاريخاً عريقاً ويداً عاملة ماهرة، لكنه تراجع بشكل كبير خلال سنوات الأزمة، مبيناً أن تحرير القطاع مع ترخيص المصافي وفق المعايير الدولية يمكن أن يعيد إحياء هذه الصناعة، ويجذب استثمارات محلية وأجنبية، ويوفر فرص عمل في مجالات التنقيب، والتعدين، والصياغة، والتجارة.

كما أن تطوير صناعة الذهب يمكن أن يسهم في تنشيط قطاعات سياحية مرتبطة مثل سياحة التسوق.

وأشار ديب إلى أنه في ظل أزمة المالية العامة التي تعانيها سوريا، يمكن لتحرير قطاع الذهب أن يوفر مصدرًا جديدًا للإيرادات من خلال الرسوم الجمركية، وضرائب المبيعات، ورسوم التراخيص، وعوائد تصدير الذهب.

مؤكدا أن هذه الإيرادات يمكن أن تسهم في تمويل الخدمات الأساسية وتخفيف العبء عن الموازنة العامة.

وأوضح ديب أن ترخيص المصافي وفق المعايير الدولية سيرفع من جودة الذهب السوري، مما يزيد قيمته في الأسواق الدولية ويعزز القدرة التنافسية للذهب السوري.

وأضاف: ان هذا التطوير يمكن أن يفتح أسواقاً جديدة للذهب السوري، خاصة في المنطقة العربية التي تقدر الذهب عالي الجودة.

تحديات

وحذر ديب من مخاطر تهريب الذهب واستنزاف الاحتياطي، لافتاً إلى أنه في ظلّ ضعف الرقابة على الحدود والفساد المستشري، قد يؤدي تحرير تجارة الذهب إلى زيادة عمليات التهريب إلى الخارج، خاصة مع تفاوت أسعار الذهب بين الداخل والخارج.

كما حذر  من مخاطر سيطرة كبار التجار واحتكار السوق، مبيناً أن الخبرة التاريخية مع تحرير القطاعات الاقتصادية في سوريا تشير إلى أن ضعف الأطر التنظيمية غالباً ما يؤدي إلى سيطرة عدد محدود من كبار التجار على السوق، مما يخلق احتكارات أو  اسس تقيد المنافسة وتتحكم بالأسعار على حساب المستهلكين والمنتجين الصغار في قطاع حساس مثل الذهب، يمكن أن تتحول هذه السيطرة إلى قوة اقتصادية وسياسية تهدد المصلحة العامة.

كما أشار  ديب إلى تحديات تفاقم تقلبات سعر الصرف، باعتبار أن الذهب مرتبط عضوياً بسعر الصرف، خاصة في الاقتصادات الهشة.

وقال: إن تحرير تداول الذهب دون ضبط سوق الصرف قد يؤدي إلى مضاربات حادة تزيد من تقلبات سعر الصرف، مما ينعكس سلباً على استقرار الأسعار بشكل عام ويسهم في تفاقم التضخم.

ولفت ديب إلى أن أحد أكبر التحديات هو ضعف القدرة الرقابية للمؤسسات المعنية. فمحاربة الفساد، وضمان الشفافية، ومراقبة جودة الذهب، ومنع الغش والتهريب، جميعها تتطلب أجهزة رقابية قوية وفعالة، وهي غير متوفرة بالشكل الكافي في الواقع السوري الحالي.

التدرج في التطبيق

واكد الخبير الاقتصادي على ان تحرير سوق الذهب دون ضوابط كافية قد يحوله إلى قناة لغسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة، خاصة أن الذهب سلعة عالية القيمة وسهلة النقل. وهذا الخطر يزيد من تعقيد الوضع الأمني والاقتصادي.

ودعا ديب إلى التدرج في التطبيق، لافتاً أن التجارب الدولية تشير إلى أن تحرير قطاع الذهب يحتاج إلى مراحل متدرجة، تبدأ ببناء الأطر القانونية والمؤسسية، ثم تطبيق تجريبي في مناطق محددة، وأخيراً التعميم على مستوى البلاد. وأن  التسرع في التطبيق قد يفاقم المخاطر ويقلل من الفرص.

وشدد ديب على الشفافية في منح التراخيص، ووضوح القوانين، ومكافحة الفساد، وتوفير المعلومات للسوق، باعتبار أن جميعها عناصر حاسمة لنجاح عملية التحرير ومن دونها، سيسيطر الفاسدون على السوق وتضيع الفرص.

نواة للتعافي

ورأى ديب أن قرار تحرير تداول الذهب في سوريا يمثل فرصة تاريخية للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي، لكنه ليس حلاً سحرياً. وأكد أن النجاح مرهون بمعالجة جذرية للاختلالات الهيكلية في الاقتصاد السوري، ومكافحة الفساد، وبناء مؤسسات قادرة على تنفيذ الرؤية.

مشدداً على أن الذهب السوري يمكن أن يكون نواة للتعافي الاقتصادي إذا تمّت إدارته بحكمة، أو يمكن أن يصبح مصدراً جديداً للصراعات والاستنزاف إذا تمّت إدارته بشكل عشوائي.

لافتا ان الفرق بين السيناريوهين يكمن في الجدية في الإصلاح، والشفافية في التنفيذ، والحكمة في إدارة المرحلة الانتقالية.

آخر الأخبار
زيارة الوفد السوري إلى لبنان.. أبعاد سياسية و دبلوماسية مهمة المعتصم كيلاني: إلغاء "قيصر" بداية تحول إيجابي  برنامج عالمي لدعم المشاريع الصغيرة يرى النور في دمشق "الصناعة " بين كماشة الاستيراد والتهريب وتكاليف الإنتاج سوريا ترحب بـ"وقف النار" في غزة ..و الاحتلال يخرق الاتفاق ويواصل حربه د. عبد الحكيم المصري: إلغاء "قيصر" انتصار جديد يعزز مسار التعافي روسيا تراجع وجودها العسكري في سوريا..خطوة استراتيجية أم انسحاب تكتيكي؟ وزير الاقتصاد: إلغاء "قيصر" انتصار سياسي واقتصادي لسوريا  الشيباني من بيروت: نفتح صفحة جديدة من التعاون بين سوريا ولبنان ما بعد "قيصر".. سوريا تفتح صفحة جديدة من الانفتاح الاقتصادي ترحيب رسمي بإدراج إلغاء "قانون قيصر" ضمن موازنة الدفاع الأميركية " أوتشا" : نواصل المساعدات في جنوب سوريا رغم تحديات أمنية وتمويلية سوريا والسودان... عودةٌ إلى مقاعد العلم  مشروع طبي تطوعي سعودي جديد لمنكوبي الزلازل في سوريا وتركيا  وزير المالية: بعد  إلغاء قانون قيصر ..الطريق أصبح مفتوحاً نحو الإعمار والتنمية   في ختام طائرة غرب آسيا.. اللقب  للبنان بفوز خامس توالياً ومنتخبنا رابعاً  التعلّم المتمازج في اللاذقية بيئة تعليمية جاذبة   مونديال الشباب..المغرب والولايات المتحدة يكملان عقد المتأهلين لدور الثمانية  سابالينكا تهزم سامسونوفا وتتأهل إلى ربع نهائي دورة ووهان للتنس  الجزائر.. المنتخب رقم (20) في مونديال 2026