الثورة- فاتن أحمد دعبول
لاتزال الحروب في غير مكان تشكل تلك المادة المؤلمة التي تلهم أصحاب الأقلام الصادقة والنبيلة للكتابة بحبر الدم، فكيف إذا كان الألم يتعلق بالوطن وبشعب عانى ما عاناه من دمار الحروب وتبعاتها وما تركته في البلاد من تخريب وتشويه ولما تزل الجراح نازفة؟
في كتاب” نون وما يعصفون” لمؤلفه عبد الله علي صبري سفير الجمهورية اليمنية لدى الجمهورية العربية السورية، ومنذ الإهداء في صفحاته الأولى الذي توجه به إلى شهداء الإعلام الوطني والحربي، الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وكاميراتهم على أكتافهم، فكانوا شهود النصر وأبطاله، يقدم لنا الكاتب صورة صادقة عما حدث في اليمن من جراء العدوان، وكيف استطاع الإعلاميون توثيق الملحمة البطولية للشعب اليمني لتكون أنموذجاً يقدم للداخل والخارج وللأجيال، وسفراً ناصعاً لرجال سلكوا درب البطولة فارتقوا محراب الكرامة حين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
يضيء الكتاب على أوراق سياسية على هامش ما سميت بـ”عاصفة الحزم” والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن” على المشهدين السياسي والإعلامي خلال يوميات الصمود في مواجهة الحرب العدوانية الظالمة والعاتية على اليمن، ويتضمن حوارات ومقالات صحفية رصدت جرائم تحالف العدوان وانتهاكاته بحق الإعلام الوطني والإعلاميين الأحرار.
هذا إلى جانب سبر غور التضليل الإعلامي الذي تولته كبريات المؤسسات الإعلامية العربية الممولة خليجياً، ويضاف لها عدة أبحاث قدمها الكاتب في ندوات نوعية وأجاب من خلالها عن كثير من الأسئلة والمتصلة بقضية العدوان ومخططات دول التحالف.
يركز الكتاب على محورين أساسيين: يدور المحور الأول حول الإعلام والعدوان، وكيف استطاعت المؤسسات الإعلامية الوطنية أن تشكل خط الدفاع الأول في مواجهة العدوان الغاشم على اليمن، وأن تتصدى للحرب التضليلية والنفسية التي رافقتها، كما تمكن الإعلام الوطني وبالرغم من محدودية وسائله وإمكاناته من قلب الصورة التي قدمها إعلام المعتدين، وبدلاً من التضليل والفبركات كان الإعلام الوطني يعمل على نقل الحقيقة من الواقع، متسلحاً بصدق الكلمة، ويوثق جرائمهم بالصوت والصورة وبمشاهد الدم والألم ودموع الثكالى.
ويوضح في محوره الثاني “العدوان والسلام” تعقيدات الحل السياسي بمساراته المختلفة من مفاوضات مسقط إلى جنيف والكويت والسويد، وصولاً إلى المبادرة العمانية الأخيرة.
ومن يتابع فصول الكتاب الثلاثة سيتضح له أن الكتاب يقدم صورة بانورامية لما يحدث في اليمن بطابع توثيقي يرصد كل ما يتعلق بالشأن الداخلي خلال يوميات الحرب والحصار ويوميات الصمود والانتصارات، ويكشف في الآن نفسه أبعاد وخفايا الحرب العدوانية على اليمن، وخاصة الحرب الإعلامية التي كانت تمثل الضربات القاسية لليمن عبر التضليل الممنهج والفبركات وتصوير انتصارات إعلامية لما يسمى التحالف لا صلة لها بالحقيقة والواقع.
جهود كبيرة ومصداقية عالية هي ما يسم الكتاب بعنوانه اللافت، وتفصيلاته التي تستند إلى وقائع وإحصاءات ووثائق جاءت تؤكد ما كان يحاك من مؤامرات تستهدف أمن وأمان اليمن على غير وجه حق، وكانت هذه الحقائق تصدر من كاتب ومسؤول وقبل كل شيء هو شاهد حي على تلك المرحلة وما كان من جور العدوان وظلمه وبشاعته.
جدير ذكره أن المؤلف سعادة السفير عبد الله علي صبري كان يشغل رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين 2016-2020، ورئيس تحرير صحيفة الثورة الرسمية للعام 2015 والعديد من المواقع الهامة.
ومن مؤلفاته “حقوق الإنسان في الإسلام، الفكر والتاريخ، وكتاب الإسلاميون والديمقراطية في اليمن”، هذا إلى جانب العديد من الأبحاث وأوراق العمل المنشورة في مجلات متخصصة، ومشاركته في عدة ندوات ومؤتمرات محلية وإقليمية، وتعرض وأسرته لاستهداف مباشر نفذه الطيران السعودي الأمريكي على منزله بصنعاء في العام 2019، واستشهدت والدته ونجلاه لؤي وحسن، وأصيب بكسور في رجله اليسرى.