عندما يتركز الفعل الأميركي على تحجيم الطاقة الروسية، ومحاولة سد الأسواق بوجهها، فإنّ الرد الروسي يكون بمجموعة إجراءات منها اشتراطات لتسويق الطاقة الروسية، والبحث عن منافذ جديدة لها، وإجراءات بوجه من يحاول تقييد تسويقها، وهذا يعني أنّ الفعل الأميركي والفعل الروسي المضاد يشمل (سلاح الطاقة)، وهنا تكتمل مواصفات (حرب الطاقة).
ولأنّ سياسيي الاتحاد الأوروبي استسلموا في تبعيتهم لإملاءات الولايات المتحدة تحددت القارة الأوروبية – قبل غيرها- كساحة أساسية لحرب الطاقة بسبب التنافر بين تبعيتين أوروبيتين، تبعية سياسية لأميركا، وتبعية (غازية) لروسيا، واستغلت واشنطن حرب أوكرانيا كي تضاعف التبعية الأوروبية لها بحيث تصبح تبعية اقتصادية أيضاً من بوابة تحكّمها في قطاع الطاقة الأوروبي (وتسويق الغاز الأميركي المسال) باهظ التكلفة كبديل عن الغاز الروسي رخيص التكلفة.
تفرعت حرب الطاقة بشكلها الصريح مؤخراً عن حرب العقوبات، فقد اعتمد الاتحاد الأوروبي العقوبات ضد روسيا وإجراءات حظر التبادل التجاري معها على أنّها لحماية الأمن القومي الأوربي، من دون الحسابات الخاصة بتداعيات ذلك الحظر على اقتصادات دوله، والمخاطر الكبرى على معيشة شعوبه التي بدأت تئنّ من أعباء ارتفاع الأسعار والتضخم وتراجع المؤشرات الاقتصادية.
وبدأت فعلياً إجراءات أولية في ترشيد الطاقة لدى بعض الدول الأوربية، وتتوضح تأثيرات سلبية على قطاعها الصناعي.. وهو أمر قابل للمزيد من التأثيرات مع قدوم الشتاء..، إذ تدل شتى المعطيات على أنّه سيكون شتاء مفصلياً يُذيق الشعوب الأوروبية معنى البرد وويلات التقشف بعد سنوات طويلة من نعمة الدفء والبذخ الطاقوي.
وفي التعمق بنتائج ما يحصل من حرب العقوبات وحرب الطاقة فإنّه مما لا شك فيه روسيا انتصرت في حرب الطاقة حتّى الآن، وأهم علامة فارقة في هذا المجال ازدياد قوّة الروبل، وارتسام (معالم الحرب الباردة الجديدة) وفق خريطة ترتكز أساسا على خطوط ومسارات الغاز الروسي، قبل غيره، وهذا ما دفع خبراء بالجملة إلى وصفه بأنّه “وقود التغيير نحو جغرافيا سياسية جديدة..”.
وإذ يؤكد صندوق النقد الدولي أنّ أوروبا تتحمل النصيب الأكبر من التداعيات السلبية ما بعد حرب أوكرانيا، فقد أورد توقعاً شديد الأهمية في تقرير له (تموز الماضي) ب(أنّ يشهد الاقتصاد العالمي تفككا إلى كتل جغرافية-سياسية لكل منها معايير تكنولوجية ونظم مدفوعات عبر الحدود وعملات احتياطية خاصة بها..).
إنّه الصندوق الناطق باسم الإمبريالية العالمية، وأحد أدوات هيمنتها الكونية يتحدث عن أمور لا يمكن تفسيرها سوى (بداية التعدد الواقعي للقطبية العالمية) بما ينهي الأحادية القطبية التي تربعت على عرشها الولايات المتحدة الأميركية طويلاً.
وحتى الآن من أهم التقديرات القابلة للتوقع (فقدان) الاتحاد الأوروبي موقعه كثاني أكبر اقتصاد عالمي وفق القيمة الاسمية بعد الولايات المتحدة، وبقائه مجرد ساحة لحرب الطاقة فقط.
ظافر أحمد أحمد