يقال: إن رجلاً دخل إلى الخليفة عبد الملك بن مروان وقال له سأهمس لك بأمر، ليرد الخليفة اهمس ولكن لا تكذب ولا تغتب ولا تنافق، قال الرجل إذَنْ اسمح لي بالانصراف.
النفاق الاجتماعي (بالإنجليزية: hypocrisy) هو تظاهر المرء بما ليس فيه وقول ما لا يفعله، وهو ظاهرة قديمة قدم العلاقات الإنسانية والهدف في هذا المقال الإضاءة على النفاق بشقه الاجتماعي لاسيما في ظل الحرب وأسبابه ومظاهره.. ويعرفه علم النفس بأنه حالة من التناقض المعرفي النفاق الاجتماعي، أما وفق تفسير علماء الاجتماع هو أن يتحلى الشخص ببعض الصفات غير الجيدة، ولكنه يخدع من حوله في اتباع الأخلاق الجيدة والمثل العليا.
هذا يعني أنه يضمر عكس ما يظهر ويكون شخصا متناقضا في جميع التصرفات التي تصدر عنه وبالتالي يقوم فيها الشخص بالترويج لسلوك لا يمارسه هو.
يعد النفاق الاجتماعي ظاهرة شائعة الاستخدام في الآونة الأخيرة، حيث أصبح البعض يتظاهر ويفعل أشياء متناقضة وهناك فرق بين النفاق الاجتماعي والمجاملة؛ فالمجاملة تعتبر مرغوبة في بعض الأحيان دون إلحاق الضرر بالآخرين فعندما يرسم طفلا لوحة ويطلب منك رأيك فالمطلوب أن تشجعه على مبادرته بالرسم ومن ثم توجيه الملاحظات دون تجريح أو قسوة، ولكن ليس المطلوب أيضا إعطاء الطفل شعورا أنه من رواد المدارس الفنية والمبالغة، فالنفاق الاجتماعي يعبر عن سعي الشخص لكسب مصالحه الشخصية على حساب الآخرين دون مراعاة بكم الضرر الذي سيلحق بهم ؛ وفيها أيضاً من الباردوكسية أي التناقض التي يظهر لك صاحب الشخصية الطيبة وهو يعمل بخبث وسواسي فيقول لك كل ما يمتّ للأخلاق بصلة بينما يمارس عكسه ويمارس الكذب المُشرعن من قبله دون أي إحساس بتأنيب للضمير، فهو بالأصل مزدوج المعايير ويمتهن الكذب والتناقض دون أن يرف له جفن فيعيش عالمين متخالفين متناقضين دون أن يشعر بهذا الاختلاف.
للمنافقين أنواع عديدة تفسر سبب سلوكياتهم غير الطبيعية، ومن هذه الأنواع حسب بعض التصنيفات ما يلي:
النفاق الاجتماعي الشرعي وهو من أخطر الأنواع وأكثره شيوعاً حيث يتمسك البعض بالقشور ويبتعد عن المضمون أو أن الشخص يدعو إلى التمسك بمبادئ الدين وهو أبعد الناس إليها.
النفاق الليبرالي، يعبر النفاق الاجتماعي الليبرالي وهو من يدعي الجميع للحرية ولكن عندما يتعلق الموضوع به فهو مستثنى وهذا يحصل على مستوى دول، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية دائما ما تدعو الدول الأخرى إلى الحرية والمساواة والابتعاد عن العنف ووو.. ولكن عندما يتعلق الموضوع بهم فيعتبر عنفا مشروعا وغير ذلك .
النفاق الطبيعي يعتبر هذا النوع عادياً ومحمولاً في قلب كل إنسان حتى وإن كان ذا قلب مستقيم، لكن هذا النوع من النفاق لا يؤثر على حياة الآخرين.
النفاق الرسمي، يعبر هذا النوع عن خداع النفس قبل خداع الآخرين، كما يمثل خطراً على الشخص لأن الأمر قد يصل به حد المرض، على سبيل المثال شخص يجد نفسه الأفضل لكنه ليس بذلك ويحاول إقناع نفسه والآخرين بهذا.
للنفاق الاجتماعي مجموعة من الأسباب ومنها ازدواجية الأخلاق، وازدواجية المعايير التي يتم فيها لوم الآخرين على نفس الفعل الذي نقوم به، والضعف الأخلاقي الذي يتعارض فيه القول مع الفعل، ومن أظهر علامات النفاق الاجتماعي هو الكذب والخيانة ومعاملة الناس حسب مصالحه بمعنى معاملة الأغنياء وذوي السلطة أفضل من الآخرين وأيضا التظاهر بالمثالية وادعاء أمور ليست حقيقية.
* تبديل المواقف والآراء حسب المصلحة وبالتالي الانتقال من ضفة إلى ضفة لانتقال المصالح للجهة الأخرى .
كذلك بعض المطبلين المهللين لتصرفات وقرارات بعض المسؤولين و لاسيما في المجال الخدمي _ كونه مصدر دخلهم _ وبتغيير المسؤول تفتح الدفاتر والملفات من قبل المستفيدين منهم سابقاً!
* ادعاء آراء ونظريات وحلول لبعض المشكلات لاستلام منصب معين وعند الاستلام تتلاشى كل هذه الأمور؟
* تغيير المواقف والاتجاهات من أجل المصالح كذلك ادعاءات البعض بشيء والتصرف عكس ذلك ومثال ذلك شخص مسؤول يتكلم عن مكافحة الفساد وضرورة مراعاة الظروف الراهنة والتكيف مع بعضها وبعد فترة يفصل من وظيفته بسبب سوء استخدام السلطة وأمور تتعلق بالفساد والأمثلة تطول حول ذلك.
* كذلك من نماذج النفاق الذي شاهدناه خلال فترة الحرب مواقف بعض “المعارضين” الذين استفادوا من السلطة وشغلوا الكثير من المناصب لينقلبوا ويصبحوا يحاضرون بالعفاف ومكافحة الفساد؟
* كذلك ما يتداوله رواد الصفحات الزرقاء بمجموعة من المفردات بكثرة في مواسم معينة بالمباركات والتبريكات لمجموعة من الأشخاص لاستلامهم مناصب معينة أو تحقيقهم إنجازا معينا في أحد المجالات الرياضية أو الثقافية أو الفنية أو العلمية وغير ذلك.
وبالتالي المنافق هو شخص له أكثر من حياة ووجه حياة في العلن وحياة أخرى في السر، أي أنه يفعل ما لا يقول ويقول ما لا يفعل، ويقبل على الآخرين ما لا يقبله على نفسه.
في رواية الشياطين تحدث الروائي الروسي دوستويفسكي عن معادلة وهي “يعتمد تقبل الناس لرأيك على مقدار ما تملك من مال ويتناسب طرديا معه ، لذلك إن كنت فقيراً فالصمت أفضل لك أفضل بكثير.. أما إن كنت تملك المال ، والكثير منه وتعمل لاكتساب المزيد فتكلم والكل يسمعك لا تستغرب أرجوك ألا ترى أنه حتى الأحمق يصبح بالمال عملاقاً !”.
لينصح ميكاڤيلي الأمير بقوله: احتفظ بأكبر عدد من المنافقين إلى جوارك ، بل وشجع المبتدئين منهم على أن يتمرسوا على أفعال النفاق والمداهنة، لأنهم بمثابة جيشك الداخلي الذي يدافع عنك أمام الآخرين باستماتة .. ثم ألق لهم بعض الامتيازات التافهة التي تشعرهم بتفوقهم عن باقي الآخرين!! ولكن احذر، لا تتخذ منهم خليلاً أو مشيراً لك، ولا تأخذ منهم مشورة أبداً، لأن مشورتهم خادعة، ومجالستهم ستجذبك فوراً إلى الوضاعة وتجلب لك العار.
الدكتور مازن سليم خضور