كم من صداقة تدوم وتدوم العمر كله، حيث الصدق والإخلاص وحفظ الود والأمانة، ولا يكاد يمر يوم إلا ويسأل الصديق عن صديقه أو يراه ولو حتى باتصال هاتفي، وكم من صديقين خسرا بعضهما نتيجة تسرع أحدهما بالحكم على الآخر.
من منا لا يخطأ، لكن أخطاء البشر تختلف من إنسان إلى آخر، وسمي الإنسان إنساناً لكثرة نسيانه، والعلاقات الإنسانية تسودها ألوان وألوان من الاختلاف والتوافق، وهنا بيت القصيد، فقد يخطأ أحدنا تجاه صديقه المقرب دون أن يتعمد ذلك فيتسبب في الجفاء مع من يحب، وينطبق عليه القول المأثور “في العجلة الندامة”.
ولنا في الحياة الاجتماعية الكثير من الأمثلة والمواقف، فتمر الأيام والسنون وفي ضغوط العمل وقسوة الأيام تظهر من أحد الصديقين أو الأخوين أو الزميلين غلطة أو هنة أو هفوة كلام، عن قصد أو غير قصد، فيتلقاها أحدهما بغضب شديد وعدم التروي وبحساسية مفرطة فتحصل المعاتبة والجفوة بين الطرفين، وتقع القطيعة وكل واحد منهما يؤكد أنه على حق.
وهنا تتجلى حقيقة المحبة، وتأتي الحكمة الصائبة هنا في محلها “التمس لأخيك سبعين عذراً”.. يقول الأول: يا أخي أعطني فرصة لأوضح لك حقيقة الأمر، لكن لا مجيب، وهنا يأتي دور الأصدقاء المحبين ليقربوا وجهات النظر ويقوموا برأب الصدع، فالمتسامح أقرب إلى القلوب وأكرم وعلى المذنب أن يعترف بذنبه وغلطه والاعتراف بالذنب فضيلة وخير الأصحاب والأصدقاء والإخوة من يبدأ صاحبه بالسلام والصفح والمسامحة.
وارتباطاً بهذه البديهية نصل إلى نتيجة قمة في الإيجابية، فكلما كان الترابط والانسجام بين الأصدقاء كلما كانت العلاقات الاجتماعية أقوى وأمنع، وبالتالي تسود في المجتمع وشائج المحبة والوئام والسؤدد التي نتمناها جميعاً، والتي تعد السمات الأساسية لمجتمعنا، والتي تريد منظومات الليبرالية الجديدة والثقافات الاستهلاكية الوافدة طمسها ونسفها وتغييرها، ويريد أصحابها لنا أن نكون مفككين ومنقسمين ومتخاصمين، على صعيد الأفراد والمجتمعات، ليتمكنوا منا، وخلاصة القول يبدأ الخلاف بكلمة لا يلقي لها أحدنا بالاً فتكون الشرارة التي تشعل التي يصعب إخمادها.. وعودة على بدء: إذا حصل الخصام واشتد فأعطني فرصة.
جمال الشيخ بكري