خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945 وبدء انعقاد مؤتمرات القمة العربية شهدت القمة مواقف وأحداثاً متباينة بين قمة وأخرى، هناك قمم عربية عالقة في الذاكرة لإعلانها موقفاً عربياً جماعياً يحمل الإرادة والتحدي مثل قمة الخرطوم عام 1967 والتي أعلنت لاءاتها الثلاث، لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف، وهناك قمم عربية أخرى شهدت مواجهات لفظية كادت تتجاوز ذلك كقمة القاهرة 1990 لتمرير التدخل الدولي في العراق واعتراض العقيد معمر القذافي ثم اعتماد قرار التدخل الخارجي، وكذلك القمة التي شهدت مواجهة كلامية بين وفدي العراق والكويت، وقمة بيروت 2002 التي دعت إلى المبادرة العربية للسلام، وقمة شرم الشيخ 2003 التي شهدت مشادة كلامية بين الرئيس القذافي والأمير عبدالله بن عبد العزيز، وقمم أخرى لم تخل أيضاً من الطرائف، وتأتي القمة العربية (المنتظرة) في الجزائر والتي أعلن موعدها في ١ و ٢ نوفمبر ٢٠٢٢ في ظل تجاذبات عربية قد تفشل القمة أو تؤجل انعقادها في موعدها علماً بأن هذه القمة تم تأجيلها أكثر من مرة في ظل ظروف عربية سيئة ومخجلة للعرب جميعاً، ولكن ليس جديداً على العرب هذا الصخب والضجيج اتساقاً مع الطبيعة الغالبة.
جهود مضنية بذلتها الجزائر في سبيل انعقاد هذه القمة وكانت آخر قمة عربية عقدت في تونس آذار 2019 وقد أعاقت ظروف الجائحة انعقاد القمة في العامين 20/21 ثم برز موضوع عودة سورية الذي تنشده الدولة المستضيفة للقمة وعدد كبير من الدول العربية بهدف لم الشمل العربي وأن تكون القمة القادمة جامعة للعرب كما أعلن ذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وسعت الجزائر لتحقيق الإجماع العربي لكن دون جدوى، كذلك واجه انعقاد القمة الخلاف الدائر بين الجزائر والمغرب واهتزاز العلاقة بين المغرب وتونس، كما حدثت بعض التقاطعات بين مصر والجزائر على خلفية استقبال الجزائر رئيس وزراء أثيوبيا، ولا تخفي بعض الأوساط الإعلامية المصرية تحفظاتها حيال القمة، ويوم أمس غادر وزير الخارجية المصري مقر انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في الدورة العادية الـ (158) بمقر الأمانة العامة بالقاهرة عقب تولي نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية الليبية بحكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية ولايتها رئاسة الاجتماع، ولا نعلم كواليس ذلك وما تخفيه هذه الظواهر في المشهد العربي وذلك على الرغم مما يتم الحديث عنه (ظاهرياً) عن استعداد الجامعة العربية لانعقاد القمة وتصريحات أمينها العام أن التحضيرات قائمة بين الجزائر والجامعة العربية لعقد القمة في موعدها.
خطوط إعاقة عربية وضعت أمام انعقاد القمة، وقد تكون هذه القمة من أكثر القمم العربية غموضاً وتعسراً بعد انقطاع دام أكثر من ثلاث سنوات، وهذا لم يحدث إلا نادراً، فقد كان أبرز انقطاع بعد قمة القاهرة 1991، حيث انتظر العرب لانعقاد القمة أكثر من خمس سنوات، وكان ذلك وضعاً اضطرارياً نظراً لوجود حالة عربية مانعة، إلا أن قمة الجزائر تشهد عدم وضوح للمواقف حتى اليوم مع إعلان تاريخ انعقادها، وهناك بعض الآراء التي تشكك في انعقادها، وهذه قمة المأساة التي تواجه النظام الرسمي العربي، تتمثل في عدم الثقة والوضوح، وكأن النظام الرسمي العربي غير معني بما تتعرض له الأمة العربية والجغرافية العربية من تحديات! ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هذه القمم لم تحقق الحد الأدنى من الطموحات العربية، ومع ذلك فإن انعقاد القمة بحد ذاته يعتبر نجاحاً رسمياً؛ فلا يمكن معالجة أي قضايا عربية دون حوار عربي أو مؤتمرات أو لقاءات عربية، ولا شك أن المسؤولية تجاهها تقع على عاتق هذه الأنظمة السياسية، وينبغي متابعتها وحلها بكل الوسائل الممكنة.
لقاء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مع وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد في تموز الماضي كان يؤمل منه عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، إلا أن تلك الآمال لاقت معارضة دول عربية معينة وجعلت شغور مقعد سورية شرطاً لحضور القمة، ولكن هذا العائق تم حله من السوريين أنفسهم بعد اتصال المقداد بنظيره الجزائري مؤكداً أن دمشق “تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر، وذلك حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي”، وقد عبر الوزيران “عن تطلعهما لأن تكلل القمة بمخرجات بناءة من شأنها أن تسهم في تنقية الأجواء وتعزيز العلاقات العربية- العربية للدفع قدماً بالعمل العربي المشترك”.
سورية أسهمت في عقد القمة العربية رغم غيابها، وبدت حريصة على جمع العرب ووحدة الموقف في رسالة بليغة للأشقاء العرب أنها ما زالت تحافظ على لحمة العرب وكل ما يجمعهم مع أنها تعتبر العودة إلى البيت العربي أمراً مهماً لتحقيق الإجماع، لكن الأهم هو ماذا بعد؟! وقد أكد الرئيس بشار الأسد في لقاء سابق: “القضية ليست عودة سورية أو عدم عودتها وكلمة عودة خاطئة، لأن سورية مازالت في الجامعة العربية، هي تعليق عضوية وليس خروجاً.. المشكلة ماذا ستفعل الجامعة العربية في المستقبل سواء كانت سورية أم لم تكن؟ هل ستحقق شيئاً من آمال المواطن العربي؟ لا أعتقد بأنها خلال العقود الثلاثة الماضية حققت شيئاً، وبكل تأكيد بأنها خلال الأعوام العشرة الماضية كانت هي الغطاء للعدوان على ليبيا، وللعدوان على سورية، ولكل عدوان آخر، فالسؤال هل ستتمكن من تغيير هذه المنهجية أم ستستمر؟ إذا استمرت الجامعة العربية بهذا النهج فلا يتغير شيء، لا قيمة لعودة سورية” .
الأمة العربية من المحيط إلى الخليج تنظر إلى أهمية الإجماع العربي وعودة سورية مطلب جماهيري عربي نأمل من خلال القمة المقبلة وضع النقاط على الحروف في مسألة تمرير قرارات القمة، فلا يعقل أن تعترض دولتان أو ثلاث على حضور إحدى الدول وهي من الدول المؤسسة للجامعة، فهذا الأمر قد يدفع النظام الرسمي العربي إلى عودة حالة الاستقطاب والذي لن يكون في مصلحة العرب على الإطلاق، وينبغي تجنبه في سبيل تحقيق الإجماع العربي وحل القضايا العربية والعمل العربي المشترك، وقد يعتقد البعض أن محاولة إبعاد العرب عن سورية وعرقلة عودة سورية إلى البيت العربي يسهم في إطالة الأزمة لكن سورية ماضية في طريقها لمعالجة أوضاعها سواء اقترب العرب أم لم يقتربوا، لكن هذه الأساليب تعيق الإجماع العربي وتعرقل مسيرة العمل العربي المشترك، ولا يمكن أن تكون في مصلحة الشعب السوري على الإطلاق، ومن هنا نأمل أن تخرج قمة الجزائر بقرارات تاريخية تعيد بوصلة العرب إلى الطريق الصحيح، لكن الواقع العربي للأسف يشير إلى عكس ذلك.. فمتى يتحرك العرب إلى الأمام؟
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم.