الثورة – خاص
أطلقت عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة، من بينها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تحذيراً مشتركاً من أزمة جفاف حادة وغير مسبوقة تضرب سوريا، تُعد الأسوأ منذ عام 1989، وسط مخاوف متصاعدة من تفاقم انعدام الأمن الغذائي ووصوله إلى مستويات حرجة في الأشهر المقبلة.
ووفق ما أعلنته منظمة الفاو، فإن موسم الأمطار 2024-2025 شهد انخفاضاً كبيراً في المعدلات، ما أدى إلى شبه انهيار في إنتاج القمح، مع توقعات بعجز يبلغ نحو 2.73 مليون طن متري، وهو ما يمثل الحصة الغذائية السنوية لما يزيد عن 16 مليون سوري.
وتشير التقديرات إلى أن 14.5 مليون شخص في البلاد يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه نحو 5.4 ملايين منهم خطر الجوع الحاد، ما يستدعي تدخلاً إنسانياً عاجلاً لتجنب تفاقم الأزمة خلال الفترة الممتدة من خريف 2025 حتى منتصف عام 2026.
دعت الوكالات الأممية إلى تنفيذ استجابات سريعة تشمل تعزيز الوصول إلى مصادر الري، وتأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي في الوقت المناسب، وتوفير الدعم اللازم لتغذية المواشي وتحصينها، فضلاً عن إصلاح البنية التحتية الزراعية التي تضررت بشدة.
وأكدت على ضرورة تقديم دعم فوري ومستدام للمزارعين، بما لا يقتصر على مواجهة الأزمة الحالية، بل يهدف أيضاً إلى تمكينهم من زيادة الإنتاج في الموسم المقبل، مشددة على أهمية تنسيق الجهود بين الشركاء المحليين والدوليين لتحقيق هذا الهدف.
تأتي هذه التحذيرات وسط واقع مناخي شديد الصعوبة تمرّ به سوريا، حيث تتوالى موجات الجفاف منذ سنوات، مع تراجع واضح في منسوب المياه الجوفية والأحواض السطحية، ما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي وانحسار المساحات المزروعة.
وبحسب تقارير علمية، فإن التغيرات المناخية رفعت احتمالية تعرض سوريا للجفاف من مرة واحدة كل قرنين ونصف إلى مرة كل عقد أو أقل، وذلك بسبب الارتفاع التدريجي في درجات الحرارة، وتغيّر نمط الهطولات المطرية، وتزايد فترات الجفاف الطويلة.
ويؤكد خبراء المناخ والزراعة أن هذه التحولات المناخية تعيق قدرة المزارعين على التخطيط الزراعي السليم، وتقلل من جودة التربة وقدرتها على الإنتاج، ما يهدد بانهيار سلاسل الإمداد الغذائي ويضاعف التحديات أمام الأمن الغذائي في البلاد.
حذرت الوكالات الأممية من أن التأخر في الاستجابة قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، مشددة على أن الوقت لا يسمح بتأجيل التدخلات، لا سيما وأن سوريا تشهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الفقر والتدهور المعيشي، ما يجعل شريحة واسعة من السكان أكثر عرضة للجوع وفقدان سبل العيش.
ودعت إلى مضاعفة الجهود الدولية والمحلية لتأمين الموارد المالية والتقنية المطلوبة، والعمل على تعزيز صمود المجتمعات الريفية، في محاولة لتفادي الأسوأ في ظل واحدة من أخطر أزمات الجفاف التي تشهدها البلاد منذ عقود.
تُعد سوريا من البلدان الأكثر عرضة لموجات الجفاف في منطقة الشرق الأوسط، إذ يعاني قطاعها الزراعي، الذي كان يشكّل ركيزة الاقتصاد الوطني، من تراجع حاد نتيجة عدة عوامل مناخية وهيكلية متداخلة، ويُعد الجفاف أحد أخطر الأزمات البيئية والإنسانية التي تواجه البلاد منذ عقود، وقد تعمّقت تأثيراته بشكل متسارع منذ بداية القرن الحادي والعشرين.