عمار جلو – كاتب سوري
يتجه الصراع المفتوح بين إيران وإسرائيل حالياً باتجاه توسع أطرافه، عبر انخراط أمريكي مباشر ومنظور قريباً في هذا الصراع.
قد يكون المنطق الأمريكي لهذا الانخراط قائماً على ضرورة حسم أمريكي عاجل لهذا الصراع، عبر تحييد البرنامج النووي الإيراني نهائياً، بجانب تحييد منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية، لإحضار طهران إلى طاولة تفاوض تفكك الأدوات والبرامج الإيرانية الباعثة للهواجس وزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي، بما فيها الميلشيات الإقليمية الموالية لإيران، والتي كانت سوريا والسوريين أكبر ضحاياها.
وهو ما يحيلنا إلى سؤال مركب، أو إلى مجموعة من الأسئلة: هل ستنجح واشنطن بتحقيق هدفها أعلاه سلماً (عملية موضعية) تحضر إيران لطاولة التفاوض، أم حرباً توسع دائرة الصراع؟ وما هي إمكانية مشاركة الإدارة السورية الجديدة في هذا الصراع، ولاسيما بحال توسعه، والمخاطر والمكاسب السورية المحتملة أو المأمولة جراء ذلك؟
للإجابة على هذه الأسئلة، لابد من التنويه بدايةً إلى مأزق جدي يحيط بنظام الملالي الحاكم في طهران، إن تراجع إلى الخلف، فإن مؤشرات سقوطه داخلياً تتعالى، وذلك أن الإيرانيين عانوا عقوبات قاسية وسعّت دائرة الفقر وتراجع التنمية وسواها بشكل كبير، نتيجة سياسات وسلوكيات هذا النظام، ثم التنازل أو التراجع عن هذه السياسات والسلوكيات للحفاظ على نفسه فقط. كذلك، فإن إصرار النظام الإيراني، وهو المرجح بتقديري على الأقل، سيعني سقوطه خارجياً، لكنه سيعمل خلال هذا الخيار على استخدام كل الأدوات الممكنة لرفع التكاليف على الطرف الآخر، ومن ضمنها الميليشيات الموالية لإيران في العراق ولبنان وسواهما، والتي تجنّبت طهران تفعيلها لغاية الآن، لتلافي جر واشنطن بيديها إلى الصراع.
على ذلك، يرجّح توسع الصراع، بما يعني فشل واشنطن بإحضار طهران إلى الساحة الدبلوماسية عبر عملية موضعية تحيّد البرنامج النووي والدفاع الصاروخي الإيرانيين. وهو ما يعززه تصريحات المسؤولين الإيرانيين، الصابة بمجملها برفض المطالب الأمريكية لإنهاء الصراع، مع تصريحات عن الاقتدار وتوسيع دائرة الصراع. وهو ما يعني أيضاً توسع الصراع وتنوع أدواته وساحاته، ومنها الساحة السورية، التي ستكون مسرحاً مأمولاً للميليشيات العراقية، وربما لحزب الله أيضاً، لمؤازرة الوكيل الإيراني في مواجهة إسرائيل. وهو ما يشكل فرصة وتحدياً في آن معاً للإدارة الجديدة في سوريا. ويتمثل التحدي بهشاشة الاستقرار الأمني في سوريا، نظراً لحداثة الحكومة السورية الجديدة، وعدم بسط سيادتها على كامل الجغرافية السورية لغاية الآن، نتيجة مفرزات الصراع السوري داخلياً، مع عوامل خارجية، ومنها التوغل والفيتو الإسرائيلي على وجود القوات الحكومية جنوبي سوريا.
في المقابل، يحمل توسع الصراع عدداً من الفرص لسوريا الجديدة، ومنها بناء شراكة جدية مع واشنطن، عبر إثبات القدرة والموثوقية بالتصدي للمليشيات العراقية واللبنانية الدائرة في فلك إيران، وهو ما يوسع مروحة التعاون بين الجانبين، ويتجاوز أحادية التعاون في مكافحة الإرهاب. كما أنه سيشكل فرصة لمعرفة وتحييد الخلايا الإيرانية النائمة في سوريا، والتي استطاعت تجنيدها خلال وجودها على الأرض السورية خلال حكم النظام البائد، وتركتها مع أمل تحريكها حسب المواقيت الإيرانية اللازمة. إلى جانب ذلك، سيشكل فرصة لاختبار التزام وجدية جميع التشكيلات العسكرية التي أعلنت اندماجها بالمؤسسة العسكرية الوليدة، مع تصليب حالة القرار العسكري الموحد والملزم، لاسيما أن الأمر سيكون متعلقاً حينها بسيادة ومصالح الدولة السورية، وليس بحسابات أو مصالح داخلية وفئوية. كما أنه سيشكل فرصة ثمينة لتأمين مصدر دولي لتسليح سوريا الجديدة، بعد العلاقة الشائكة والمعقدة مع المزود القديم، روسيا، وغياب البدائل لغاية الآن، باستثناء تركيا.
بجانب ذلك، قد يمثل الصراع الموسع لإعادة إسرائيل إلى حدود اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، عبر مهارة دبلوماسية فائقة، وهو ما أثبتته الإدارة الجديدة في عدد من الساحات، مهارة تدفع واشنطن لممارسة ضغوط جدية ومؤثرة تفرض على تل أبيب التراجع عن توغلاتها الحديثة في الجغرافية السورية، لاسيما وأن الجهود السورية لمواجهة المليشيات الولائية في الساحة السورية تصب في مصلحة إسرائيل، ولو بدون قصد. وهو ما يجب على الحكومة السورية اشتراطه على واشنطن مقابل انخراط جدي وفعال من جانبها في هذا الصراع. ذلك أن أي صراع مفتوح مع إيران، سيحمل في طياته إنهاء أذرعها الإقليمية، وهو ما سيجعل من الانخراط السوري مطلوب ومؤثر أيضاً، بحكم الجغرافية السورية بين العراق ولبنان، بجانب مجاورتها لإسرائيل، ما يجعلها ساحة مرغوبة لتسلل هذه المليشيات لتنفيذ عمليات من خلالها على إسرائيل، أو لإعادة بناء الجسر البري بين إيران وحزب الله، بعد تحطيمه إثر إسقاط نظام الأسد.