الملحق الثقافي- ميسون حداد:
كانت الحافلة تقلّنا إلى «مركز مخيمات» في إحدى القرى المتربعة على سفح جبل لبنان.
لم تكن يومها خدمة «jps» متاحة بعد، الحافلة ضلّت الطريق، وعبرت بنا طريقاً معاكساً شقّ وجوده بين جنبات طبيعة بكر، وأحجار اصطفت بمهارة لتشكل منازل كقصص ألف ليلة وليلة.
تأخرنا ساعتين عن موعد الوصول، علت الأصوات مستنكرة تعب السفر، وضياع الوقت، ولكني كنت مأخوذة بجمال الطبيعة والتناغم في هذه القرى، جمال يأسر، واستغربت كيف تمكن التوتر من أصدقائي وحجب عنهم ما تقدّمه «بكفيا» وجاراتها من سحر ينعش القلب ويحيي الروح.
كلّ الفرق يكمن أني قرّرت أن «أستمتع بالطريق».
منذ يومين جاءت لزيارتي من بلاد الغربة، والمغتربون يجدون في كلّ وجه محب، وطنا، لقاءتنا على قلتها لا تشبه زيارات العابرين، بل تلتقي فيها الروح بالروح، تبادلنا الحديث، أفراحنا، أحزاننا، نجاحاتنا، خيباتنا، وتبادلنا منابع القلق.
الأحباء في اللقاء، نتبادل معهم أنفسنا، الهدية الأثمن التي نقدّمها ليكون لفنجان القهوة طعم الشراكة.
حدثتني عن التغييرات في حياتها من سفر وزواج، في فترات التغيير نفتقد الأرض الصلبة، لكن الحياة تقدّم لنا هداياها، بطرق غريبة.
نضع أهدافنا وتصوراتنا، ونسعى لها، ولكن متعة الحياة تكمن في السعي، في عيش التفاصيل، في الطريق..
رغبة الوصول قد تحجب عنا جمال المسيرة فلا نعير انتباهاً للجمال العابر.
ودّعتها وأنا أردّد على مسامعها ومسامعي..
«استمتعي بالطريق»
خلوت إلى نفسي، قلت في سرّي، كيف لي في هذه الظروف التي لا زلت أمرّ بها أن أستمتع بالطريق؟
بعد خضوعي لعمل جراحي من المفترض أن أعاود نشاطي بعده بأسبوعين أو ثلاثة على الأكثر، أقعدتني مضاعفات العملية ضعف المدة، ناهيكم عن الآلام المبرحة التي لم تكن بالحسبان.
وسألت نفسي: أين متعة الطريق في هذه التجربة المستمرة؟
لا متعة في الألم، إنما هو معلم من الطراز الرفيع، حيث دروسه خصوصية خاصة، ولكنها بنتائج مبهرة إن أجدنا الفهم.
كنت مُصرّة أن أبحث عن الجمال في هذه الرحلة التي لم تبلغ نهايتها، كمن يستطلع زهوراً في الأرض الوعرة.
أو ليس للأرض الوعرة جمالها؟؟
عندما تكون عاجزاً ولو لبرهة، تعنيك كلّ التفاتة حبّ، كلّ تقدمة من وجه باسم وقلب معطاء، كل إطلالة من صديق أو قريب..
متعة أن تلمس الحب وسط العاصفة، متعة نادرة اليوم، متعة أن تتذكر الآلام وكيف عبرتها، هذه هي متعة أن تكون جديداً.
متعة أن تعرف كيف تلمس رحمات الله اللطيفة في أدق وأعقد التفاصيل، هذه هي متعة طمأنينة القلب.
فكان خضم أوجاعي بابا لأستمتع بالمحبة والتجدد والطمأنينة.
فأينما كنت وحيث أخذتك الحياة لتعبر، بين الجبال، في حقل ورود، أو في قلب العاصفة..
«استمتع بالطريق».
العدد 1114 – 4- 10-2022