الثورة – تحقيق – جاك وهبه:
بمجرد التجول في أحد الأسواق الدمشقية، بإمكاننا أن نلحظ ملامح الاحتكار من خلال النقص الكبير المسجل في المواد الأساسية، وارتفاع الأسعار مقارنة مع الأسعار التي تحددها النشرات التموينية يومياً.
ارتفاع الأسعار وقلة المواد أرجعه غالبية الذين التقيناهم إلى تنامي ظاهرة الاحتكار، مشيرين إلى أن السلع الأساسية بالكاد موجودة وحتى في حال وجدت، فإنها تكون بأسعار مرتفعة جداً، ولكن ما باليد حيلة لأن بعض السلع لا يمكن الاستغناء عنها.
اتهامات متبادلة..
أحد أصحاب المحال التجارية في دمشق بين أن المسؤولية عن ارتفاع الأسعار ونقص كمية السلع المعروضة لا تقع على أمثالهم، فالمتسببون في الأزمة هم الموزعون الكبار، حيث يشترون البضاعة بأسعار عادية ولكن يوزعونها على التجار بأسعار مرتفعة.
مشكلة…
ورغم أن أغلبية التشريعات الداخلية والدولية حظرت وجود أي نوع من أنواع الاحتكار بصورة مخالفة للقوانين المرعية، إلا أنه وبحسب مدير الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار جليل إبراهيم فإنه يوجد مشكلة بمفهوم الاحتكار وفق قانون حماية المستهلك ومفهومه وفق قانون المنافسة، فالاحتكار من وجهة نظر قانون المنافسة هو أن شخصاً ينتج السلعة ويستحوذ على نسبة 100 % من السوق، أما الاحتكار من وجهة نظر قانون حماية المستهلك هو السيطرة على نسبة 40 % أو 60 % من السوق وقانون المنافسة السوري لا يتحدث عن هذا المفهوم فهو يجرم الممارسات الاحتكارية وليس الاحتكار بمعنى أن المنتج قد يكون محتكراً لسلعة لقيامه بإنتاجها بشكل جيد ومطور بخبرات عالية وبالتالي القانون لا يعاقبه إلا في حال قيامه بممارسات احتكارية تضر السوق كقيامه بتثبيت أو فرض أسعار أو شروط إعادة البيع، والتصرف أو السلوك المؤدي إلى عرقلة دخول مؤسسات أخرى إلى السوق أو إقصائها منه أو تعريضها لخسائر جسيمة.
اقتصاد حر مفتوح…
وبين إبراهيم الإجراءات المتخذة لمنع الاحتكار والمتمثلة بتأمين وتفعيل المنافسة في بيئة العمل (إنتاج ـ تجارة ـ خدمات…) ما بين الفعاليات الاقتصادية المتمثلة بالمنتج أو المستورد من طرف والصناعي أو التاجر أو الموزع من طرف آخر وليس له علاقة ما بين أي من هذه الأطراف والمستهلك مباشرة وذلك من خلال منع أي ممارسة مخلة بالمنافسة أو الممارسات الاحتكارية، منوهاً أن الهيئة تخطط في المرحلة القادمة للمساهمة في التحول الاقتصادي لسورية ما بعد الحرب من خلال إنفاذ قواعد وسياسات المنافسة الحرة وحمايتها في أرجاء الجمهورية العربية السورية للاتجاه نحو اقتصاد حر مفتوح لتعزيز النمو الاقتصادي، والعمل مع كافة الشركاء الاقتصاديين لضمان تقيد جميع المؤسسات بممارسات المنافسة الحرة والشفافة والعادلة من خلال تطبيق أحكام قانون المنافسة.
لا احتكار مطلقاً..
وأكد «إبراهيم» أن الهيئة تقوم بجولات ميدانية دورية لرصد الأسواق المحلية للوقوف على واقع بعض السلع والمواد والخدمات من حيث توافرها، آلية تأمينها، حلقات الوساطة التجارية، ممارسات المنتجين والموزعين لها ومدى توافقها مع قانون المنافسة والتطورات الطارئة فيها أو تغير واقع بعض السلع نتيجة صدور قرارات أو تسعيرات جديدة، وإجراء دراسات لبعض المواد التي تهم الحياة المعيشية اليومية للمواطنين وإرسال النتائج والمقترحات إلى الوزارة لرفعها للجهات المختصة لتأمين المواد والمحافظة على استقرار أسواقها، بالتوازي تقوم الهيئة بمعالجة الشكاوى المخلة بقانون المنافسة الواردة للهيئة أياً كان مصدرها ودراسة للمؤشرات الأولية عن الممارسات غير المتوافقة مع قانون المنافسة، وباعتبار أن كافة السلع والمواد متوفرة في الأسواق ولو بشكل قليل وعند عدة تجار وبأنواع وماركات مختلفة، بحسب «إبراهيم»، فهذا ينفي أي وجود للاحتكار المطلق وخاصة بالنسبة للمواد الأساسية.
لم تنجح…
وهذا ما خالفه الأستاذ في كلية الاقتصاد بدمشق الدكتور «شفيق عربش:» بقوله: ان الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار منذ أن أحدثت وحتى يومنا هذا لم تنجح في أداء دورها في منع الاحتكار وسبب عدم نجاحها في تحقيق أهدافها ليس قصوراً منها فحسب وإنما بسبب بعض الإجراءات التي حجَّمت دورها، مضيفاً: من الممكن أن نتفق بأن هناك سلعاً كثيرة متوفرة في الأسواق وسلعاً أخرى مفقودة ولكن بأي أسعار موجودة؟؟ وهل أن القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين تسمح لهم بالشراء بمثل هذه الأسعار؟؟؟، فمن المؤكد أن سلع الرفاهية موجودة وزبائنها لا يكترثون بأسعارها مهما كانت.
لا احتكار على الورق
فالاحتكار موجود وسبب وجوده شهادات الاستيراد التي تمنح من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ومن دون أن ندخل بتفاصيل بالأسماء وغيرها، والكلام هنا لعربش، فعلى الورق لا يوجد احتكار، ولكن هناك مجموعة كبيرة من المستوردين تقوم بالاستيراد لمصلحة شخص معين فنجد أن معظم السلع الرئيسية أو الضرورية لحياة الناس (سكر- زيت…) والتي يوجد مقابلها دعم بموجب البطاقة الالكترونية للمواطنين السوريين، خاضعة للاحتكار.
الاستيراد لأشخاص محددين…
والدليل على ذلك، يضيف «عربش»: ان أسعار هذه السلع مفروضة من «كارتل» إن جازت التسمية، (شخصان أو ثلاثة متفقون على استيرادها بأسماء مجموعات من الأشخاص العاملين لديهم وتتركز كميات هذه السلع بأيديهم وهم يتحكمون بالعرض وبالتالي يتحكمون بالأسعار في ضوء ذلك)، وكما هو ملاحظ فإن أسعار هذه السلع في سورية مرتفعة بنسبة تزيد على ٤٠% عن أسعارها في الدول المجاورة (لبنان على سبيل المثال) والتي أوضاعها تشابه الوضع في سورية وأصعب.
إعادة النظر…
د.عربش، وحسب رأيه، المطلوب لمنع الاحتكار إعادة النظر بإجراءات إجازات الاستيراد الممنوحة وخلق بيئة تنافسية خاضعة للقوانين الاقتصادية الحقيقية إضافة لعدم تدخل بعض الجهات الحكومية المستفيدة من هذا التدخل ومن هذه الاحتكارات في السوق، لكن الجانب الأهم في منع الاحتكار، يضيف عربش، هو إطلاق العملية الإنتاجية المحلية سواء الزراعة أو الصناعات الغذائية وغيرها من الصناعات ودعم هذه العمليات الانتاجية بشكل واضح وصريح وليس كلاماً وتصريحات والوقوف عند هذا الحد ويستتبع ذلك تأمين مناخات المنافسة الحقيقية في الأسواق ما يؤدي إلى منع الاحتكار أولاً وانخفاض الأسعار ثانياً.
التفاف…
أما جمعية حماية المستهلك بدمشق وريفها فكان لها رأي آخر عن الاحتكار حيث قال أمين سرها «عبد الرزاق حبزة»: «نحن لن نقول احتكار بشكل كلي وإنما تقنين انسيابية المادة في الأسواق للحفاظ على السعر المرتفع وهذا نوع شبيه بالاحتكار حيث إن المرسوم 8 متشدد جداً في موضوع الاحتكار لذلك يتم الالتفاف عليه من خلال تقليل المواد المطروحة في الأسواق الأمر الذي يؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعارها.
حيث ان الجمعية تركز في عملها بشكل خاص على المواد الغذائية ومن خلال جولاتها على الأسواق، يتابع: «حبزة» لوحظ انسيابية خجولة لهذه المواد، أي أن التاجر يقوم بطرح المادة في الأسواق ويراقب أسعارها وفي حال الارتفاع يخفض من الكميات المطروحة طمعاً في الحفاظ على السعر المرتفع مثال ذلك مادة السكر حيث تجاوز سعر الكيلو غرام منها الـ4500 ليرة سورية، علماً أن التسعيرة الصادرة وفق النشرات التموينية أقل من ذلك، وهذا يعني وجود تقنين في طرح المواد ضمن الأسواق أملاً باستمرار ارتفاع أسعارها.
المنافسة مفقودة…
وأشار «حبزة»: إن روح المنافسة بين التجار غير موجودة فالشركات المنتجة أو الموزعة محدودة بسبب صعوبة الحصول على إجازات الاستيراد، إضافة إلى وجود بعض المعوقات التي تؤدي إلى تأخر استيراد المادة كالقرار رقم 1070 الناظم لعمليات الاستيراد حيث يقوم المستورد بتسديد قيمة المستوردات لشركات الصرافة التي تقوم بدورها بتحويل المبلغ إلى الشركات الموردة، ولكن هذا التحويل لا يتم بشكل فوري ويحتاج لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر ما يؤدي إلى تأخر عملية الاستيراد.