الثورة -غصون سليمان:
الخلافات الأسرية المتكررة بسب أو دون سبب هي بمنزلة جرح نازف يرهق النفس والجسد،فكيف للصغار أن يستوعبوا حجم المأساة والتداعيات المترتبة على عملية النمو في مراحلها المتنوعة، إذ كثيراً مايخطىء الأب والأم، الزوج والزوجة حين يجاهران بمشكلاتهما وخلافاتهما ويسددان لبعضهما بعضاً ألفاظ الملامة والعصبية، وإظهار انفعلات التشنج التي تخطف لون الوجه هذا المشهد لصورة الأبوين تحفر في ذاكرة الأبناء صغاراً وكباراً لوحة من الخوف والقلق والتوتر وعدم الاستقرار ما يؤثر على الثقة المتبادلة داخل المنزل وخارجه.
بالتأكيد لايوجد صورة مثالية للعلاقات الاجتماعية الأسرية، فهناك تفاوت في التنشئة، والتربية، والعادات، والتقاليد، والثقافة، وحالات الغنى والفقر، وهذه بمنزلة دبابيس جاهزة للوخز كلما حلت عواصف الضيق والنرفزة بين الزوجين.
في القضايا المصيرية وتكوين الأسرة يجب أن يخضع الحب بين الطرفين لتناغم تدريجي من المعرفة والتبصر والانسجام، وألا تكون دوافع العاطفة هي المحكم، يجب إشراك العقل في كل زوايا الحب، يجب البحث في رؤية المستقل لإنجاب الأطفال بدءاً من التقبل النفسي والعاطفي،كيف ترسم صورة التربية المثالية ولاسيما في الظروف الحالية، القدرة على التحمل والصبر لتأدية الرسالة النبيلة،رسالة بناء الإنسان السوي والحفاظ عليه نفسياً وجسدياً بعيداً عن مفاهيم متراكمة تبعثرت مع مرور الزمن.
هل يرث الأبناء خلافات الآباء..؟!
الثورة – بشرى سليمان:
ننتقد دائماً تربية الأبناء، وقد نلومهم إن كثرت مشاكلهم، أو اتصفوا بالعنف واللامبالاة، دون أن نعود لطفولتهم، والمواقف الحياتية التي تعرضوا لها في بيتٍ مشحونٍ بخلافات الوالدين، وضجيج الصراخ، والعنف المعنوي أو المادي، وقد يظن الجميع أن هؤلاء الأطفال لايعون ما يحدث حولهم، ولن يتأثروا بتلك المشاكل، حتى يأتي وقت نستشعر بصماتها واضحةً على شخصياتهم وطرق تعاملهم مع الآخرين.
لمعرفة كيف يتأثر الطفل بمشاكل أهله، وما الآثار التي تتركها على شخصيته، وهل يتوقف عن التأثر بها في عمر معين؟ التقت صحيفة الثورة الدكتورة فريال سليمان (علم نفس نمو- كلية التربية) التي أعادتنا إلى نقطة الصفر عندما يقرر الطرفان الزواج والإنجاب، هنا يجب أن يعلما أنه ليس كل من تزوج يستطيع أن يكون أباً أو أماً، والأم وحدها لاتربي الطفل وكذلك الأب، وشخصية الطفل تتكون في أول سبع أو ثماني سنوات من عمره، وأي توتر في البيت (الذي هو مصدر أمانه) أو قلق سيمتصه، ويعيش بداخله ويؤثر فيه حتى في مرحلة الشباب، واختيار الشريك، كل هذا سببه نقص الوعي النفسي للأهل.
تؤكد سليمان العلاقة الوثيقة بين الأسرة المستقرة، والنمو النفسي السوي للأولاد، أما الأسرة المضطربة، فهي بيئة نفسية سيئة للنمو، وتربة خصبة للانحرافات السلوكية، والاضطرابات النفسية، والجسدية، بأشكالها المختلفة، حيث يعاني الطفل من القلق والتوتر، وقد يعتقد أنه السبب في مشاكل والديه ما بجعله عرضةً للإصابة بالاكتئاب أو الانعزالية أو انخفاض الثقة بالنفس كما يمكن أن يضعف تحصيله الدراسي، لأنه مشتت وغير قادر على التركيز والاستيعاب، وقد يصيبه التبول اللاإرادي أو الكوابيس أو الأرق الليلي، أو قد يعاني فقدان شهية أو شره مرضي للطعام، ومن الممكن أن يتعامل بعدوانية مع الآخرين، فيصعب عليه الحفاظ على علاقات صحية مع المحيطين به مستقبلاً، وربما يضرب عن الزواج بل ويعتبره فكرة سيئة، لأنه ربط في ذهنه أفكاراً مشوشة ومشوهة لحياته الزوجية فيما بعد، وهذا يدل على أن الطفل لايتوقف عند حدٍّ معين عن التأثر السلبي بمشاكل أهله حتى لو أصبح عمره عشرين أو ثلاثين عاماً.
كما تنصح سليمان الأبوين في حال وجود مشاكل بينهما، بامتلاك قناعة وتسليم، بأن مشاكلهما تخصهما وحدهما ولاينبغي أن يتعرض لها الطفل أو يراها، لأنهما مصدر الأمان له وليس مصدر المشاكل والخوف، وهذا لايعني في الوقت ذاته إبعاده بشكلٍ كامل عن مشكلات الأسرة لأنه أيضاً يجب أن يعلم أن في الحياة خلافات وصعوبات ويجب أن يكتسب مهارات حل المشكلات، وبطريقة صحيحة بعيداً عن الملاسنات والصراخ والعنف، أي إن وعي الأب والأم بمصلحة الطفل وحقه بالحصول على الأمان والحضن الدافئ في بيته، يجب أن يشكل لديهما دافعاً لضبط انفعالاتهما واحترام أحدهما للآخر أمام هذا الطفل.
التربية الأسرية الصحيحة
ضمان الاستقرار النفسي للأبناء
الثورة-عبير محمد:
لا يمكن إحصاء سلبيات العنف الأسري على تربية وتنشة الطفل لما له من أبعاد سلبية تكاد تؤثر في تنشئة الأطفال تنشئة صحية وسوية، فالطفل الذي ينشأ في بيئة قاسية لوالدين معنفين يرث العنف والقسوة من والديه ويتعامل مع الحياة من وجهة نظره الأحادية المفهوم ليصبح العنف هو وسيلته الوحيدة للتعامل لحل مشاكله الحياتية في مختلف مراحله العمرية، في البداية يكون في مدرسته تلميذاً عنيفاً يضرب أصدقاءه في المدرسة أحياناً بلا سبب مستخدماً الضرب وسيلة تواصلية، وعندها يتحول لمراهق عنيف.
فالتربية الأسرية الصحيح وحل الخلافات الزوجية بطريقة تكفل استمرار المودة والرحمة بين الطرفين تجعل حياة الأبناء أكثر استقرار.
عندما ينشأ الطفل في بيئة مجتمعية قائمة على علاقة القوي يأكل الضعيف ينتفي مفهوم الود الإنساني ويسود العنف والسلوك المرضي علاقات الناس ببعضها بعضاً ليتحول المجتمع برمته إلى حالة من عدم الاستقرار النفسي لتنعدم فيما بعد العلاقات الاجتماعية الصحيحة في المجتمع فالعنف يولد الشعور الشر وتختلط المفاهيم ليعيش الناس وسط دوامة من الكره والعنف والشر الذي لا يفضي إلا لمزيد من التخلف.
وحول الحلول الواجب اتباعها توجهنا لاستشارة الدكتورة هبة عرنوس اختصاصية العلاقات الأسرية والنفسية(ماجستير في علم النفس من جامعة دمشق واستشارية من كامبردج البريطانية)
-فحول ماهية الحلول الواجب اتباعها لحل مشكلة العنف الأسري؟
تؤكد عرنوس ضرورة التثقيف الزوجي بما معناه تزويد الأشخاص المقبلين على الزواج أو حتى المتزوجين بمعلومات لابد منها وشرح أهمية العلاقة الزوجية والواجبات المنوطة بتلك العلاقة المقدسة ليدرك كل طرف حقوقه وواجباته ضمن هذه العلاقة والتي تعتبر النواة الأولى للمجتمع فكلا الطرفين عليه أن يسأل نفسه ما يعنيه الزواج والارتباط بالآخر بحيث تصبح العلاقة الزوجية علاقة شراكة قائمة على المودة وليست علاقة متداخلة (التدخل) فالعلاقة هي تكامل وليست تفاضلاً بمعنى أنه من الأفضل معرفة احتياجات الشريك لتجنب مفهوم العنف الأسري.
عند معرفة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها في العلاقة الزوجية وتتوحد مصطلحات العلاقة القائمة على الاحترام والاهتمام المتبادل تثمر العلاقة الزوجية بتمتين أواصر الأسرة وبذلك ينتفي العنف الأسري لتصبح العلاقة قائمة على مبدأ التعاون والحب المتبادل لذلك تنصح الاختصاصية بضرورة اتباع دورات تثقيفية للشباب والشابات المقبلين على الزواج وبالتالي يعمل كلا الطرفين على مبدأ الشراكة والتعاون وليس المسايرة والكبت.
لذا لا بد من العمل على اجتثاث العنف الأسري من العائلة لضمان مجتمع سوي خالٍ من العقد النفسية.