ظافر أحمد أحمد
توثّقت العلاقات الروسية – الأوروبية كثيرا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، حتى وصل الترابط الاقتصادي الروسي- الأوروبي إلى مرحلة يصعب بعدها تخيّل انفراطها، ومع ذلك بإملاءة أميركية على الاتحاد الأوروبي انفرط هذا الترابط ليتحول إلى حرب عقوبات اقتصادية.
وقبله توضح أنموذج عالمي آخر فخلال سنوات طويلة حدث تطوّر كبير في العلاقات الاقتصادية الصينية الأميركية وأصبح للسلع الصينية حضورها في السوق الأميركية، وفجأة قامت واشنطن بالتغاضي عن كلّ مبادئ التنافس الاقتصادي والتبادل التجاري ورفعت الرسوم على واردات السوق الأميركية من السلع الصينية، وضيقت كثيرا على شركة هواوي، ومؤخرا بدأت بنقل تكنولوجيا (تصنيع أشباه الموصلات) من تايوان الصينية إلى الولايات المتحدة في حلبة السيطرة على سوق الرقائق الالكترونية.. المطلوبة كثيرا لشتى الصناعات خصوصا في قطاع الأسلحة، وصرحت بوضوح أنّ هذا العمل لمواجهة الطموحات الصينية.
وسبق أن تعهد قادة دول مجموعة السبع وبإملاء أميركي بجمع 600 مليار دولار من الأموال الخاصة والعامة على مدى خمس سنوات لتمويل البنية التحتية المطلوبة في الدول النامية وحددوا بوضوح أنّ هذا الإجراء لمواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني الذي يهدف لتمويل وإقامة مشروعات بنية تحتية في مئات الدول النامية..
وبتقليص المشهد العالمي إلى مشهد إقليمي يمكن التذكير بأنموذج العلاقات الاقتصادية السورية- التركية التيوصلت في مرحلة ما إلى مرحلة استراتيجية، وفجأة عام 2011 وبإملاء أميركية على أنقرة انفرطت العلاقة واستبدلتها سياسة أردوغان بـ”استراتيجية إحياء العثمانية”.
وكانت العلاقات الاقتصادية السورية العربية في مراحل متقدمة حتى العام 2011 قبيل أن تُسقطها المصلحة السياسية والاقتصادية الأميركية التي سعت إلى تأجيج وتوسيع رقعة الدمار الذي نجم عن سيىء الذكر “الربيع العربي”، فتحوّلت دول أرادت الاستثمار في السوق السورية إلى دول تستثمر في الدم السوري..
لا يصعب إثبات أنّ السياسة الأميركية الخارجية والعسكرية تتحدد بناء على مصلحة شركات أميركية كبرى ونظرتها للأسواق العالمية.
ومع أنّ المشهد العالمي كارثي فإنّه يتم مواصلة العمل على تقوية التكتلات الاقتصادية المناوئة لهيمنة الاقتصاد الأميركي، ولذلك يزداد الضغط الأميركي بالتوحش حتى على اقتصاد دول مقربة من واشنطن، توحش لا يستثني حتى اقتصاد شركائه من دول تسمى مجموعة السبع وغيرها.
الأهم إقليميا أنّ دولاً آسيوية وعربية وإفريقية عديدة تتأخر في اكتشاف حقيقة أنّ الاقتصاد الأميركي يضرب اقتصاد حلفائه والتابعين له والنائمين بعسل (دولرة سياساتهم وسيادات دولهم، بمثل ما يضرب اقتصاد المناوئين له.
ومع بداية تجسيد التعدد القطبي سياسياً وهو يحل محل التفرد القطبي الأميركي المديد، فإنّه ما من قيمة حقيقية للتعدد القطبي إذا لم يتم التحرر من سطوة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي.

السابق