خبراء سياسيون واقتصاديون لـ «الثورة»: الحرب في أوكرانيا تعيد ترتيب العالم.. وعلينا حماية مواردنا لمواجهة التداعيات
حوار عبد الحميد غانم
في إطار التداعيات السياسية والاقتصادية للوضع في أوكرانيا نتيجة السياسات الأميركية والغربية الأوروبية، وما تحمله تلك التداعيات من مخاطر على الوضع في العالم والمنطقة، تبرز تغييرات جادة تحدث في السياسة العالمية تشير إلى أن العالم بات يصبح متعدد الأقطاب.
«الثورة» استطلعت رأي عدد من الخبراء في السياسة والاقتصاد حول تلك التداعيات والآثار المحتملة على المنطقة والعالم وكيفية تحصين الاقتصادات الوطنية في مواجهة تلك الآثار.
عدره: سياسات الغرب لها أثر كارثي على العالم
الخبير في الشؤون السياسية الدكتور خلدون منير عدره قال في هذا السياق: إنّ من يتابع تطورات العملية الروسية في أوكرانيا يلمس بوضوح يوماً بعد يوم بأن الأفق الذي كان ضبابياً في المراحل الأولى بدأت تنجلي معالمه أكثر فأكثر في الوقت الحاضر، وهذا الأمر ليس للتسويق الإعلامي، بل يمكن الاستدلال إليه من خلال مقارنة بسيطة بين ما يجري في روسيا من نتائج وما يجري في أوروبا، في روسيا وباعتراف مراكز بحثية وصحف غربية هناك تحسن ملحوظ للروبل، في مقابل أزمات يعيشها اليورو في الوقت الحاضر، إذ قالت وكالة بلومبيرغ: الروبل أصبح رائداً عالمياً من ناحية نمو قيمته، إلى جانب قيام روسيا بتصحيح الجغرافيا والتاريخ الروسي باستعادة أراض كانت يوماً ما جزءاً من روسيا، في مقابل عجز أوكراني وأوروبي عن تحقيق أي إنجاز يذكر على الأرض.
وأضاف الدكتور عدره: إن الأثر الكارثي للعقوبات الأوروبية لم يشمل الغرب فحسب بل شمل الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، فقد ذكرت فوكس نيوز: إن «الاقتصاد الأمريكي يواجه خطر الانهيار»، في مقابل تدني مستوى البطالة إلى أدنى حد في تاريخ البلاد كما ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا ما أعلنت عنه قناة «CBS» وأن السبب الرئيس لتعزيز العملة الروسية يعود إلى ارتفاع أسعار الطاقة والانتقال إلى استخدام الروبل في دفع ثمنها، فضلاً عن ارتفاع حالة التضخم في معظم الدول الأوروبية بسبب هذه العقوبات التي قال عنها بوتين: بأنها انتحار اقتصادي بالنسبة لأوروبا، وكما قال عنها أيضاً رئيس وزراء هنغاريا: إن الاتحاد الأوروبي يطلق الرصاص على أرجله، مثلاً سجل التضخم السنوي في المملكة المتحدة في شهر نيسان الماضي أعلى مستوى له منذ العام 1982،حيث بلغ مستوى 9% مقابل مستوى تم تسجيله الشهر الذي قبله (آذار 2022) عند 7%، إضافة إلى انخفاض الإنتاج الصناعي في أوروبا الغربية بنسبة 22٪ تقريباً، مقارنة بمتوسط السنوات الخمس السابقة، وفقاً لبيانات ICIS. في حين أن الوضع الاقتصادي في روسيا أكثر استقراراً ونمواً، حيث تغلبت على هذه العقوبات بفتح أسواق جديدة باتجاه آسيا وأفريقيا، الأمر الذي أثبت الحقيقة القائلة بأن أمام الدول خيارات متعددة، ولم تعد محتكرة من قبل الولايات المتحدة والغرب.
وخلص الخبير عدره إلى أن المؤشرات والدلالات التي بين أيدينا تقول: إن الانتصار الروسي يلوح بالأفق، وأبرز الملامح ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال كلمته في مؤتمر «التفاعل وبناء الثقة في آسيا»: إن العالم بات متعدد الأقطاب وآسيا تلعب الدور الرئيس في هذا النظام الجديد، ولكن هذا لا يعني بأن الحرب انتهت، فالأطراف الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة لن تقبل بالهزيمة، وتالياً يمكن أن تدخل عوامل جديدة تغير كل التوقعات وتقلب الطاولة، وهو ما نخشاه جميعاً.
ديوب: تفعيــل اســـتراتيجية الاكتفــاء الذاتــــي
بدوره أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أيمن ديوب أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق أن تداعيات الوضع في أوكرانيا، والصراع الدولي حولها نتيجة لسياسات أميركا والغرب سينجم عنها نظام عالمي جديد يعمل على تموضع ولادة نظام دولي جديد بعد مجموعة من التطورات التي مهدت لذلك بدأت بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، ثم التغيرات التي حصلت في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي عام 1990، وانتهاء الحرب الباردة عام 2008، وبعدها جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية، ثم بدأت أميركا بتحريض لإقامة ما تسمى بثورات الربيع في المنطقة والعالم مثلما حصل في التحريض الأميركي والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لدول مثل فنزويلا وجورجيا وأوكرانيا، إلى أن ظهرت روسيا كقطب جديد ليقضي على انفراد القطب الأميركي الأوحد الموجود في العالم.
وقال الخبير الاقتصادي ديوب: ما نراه في أوكرانيا اليوم له العديد من الآثار والتداعيات الكبيرة سواء في منطقتنا أو في العالم، وهذه الآثار تجسدت بما يلي: أولاً لم تؤثر على أسعار الطاقة من غاز ونفط ومشتقاته وأشكال الدعم فقط، بل كان هناك تغير مهم أثر على النقل (حركة وتكلفة)، إذ أدى إلى تغير مسارات النقل للسفن وناقلات النفط وصارت هناك مسارات نقل جديدة فرضت على الدول بسبب عدم تعاملها مع دول تمر بها خطوط النقل مما فرض إشكالات التعامل مع تلك الدول المطلة على سير خطوط النقل، ولاسيما التي تلتزم بالإجراءات القسرية والعقوبات التي تفرضها أميركا والغرب الأوروبي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الموارد الموجودة بين الدول.ونوه الدكتور ديوب بأن تلك الإجراءات والعقوبات الغربية والأميركية دفع روسيا للرد عليها عبر اعتماد سياسات وقف ضخ الغاز والطاقة ومسألة الدفع بالعملة الوطنية الروسية.
أمام هذه التطورات وما تفرضه من نقص في الموارد وارتفاع أسعاره ولاسيما مصادر الطاقة والسلع الإنتاجية بات المطلوب من الدول حماية اقتصاداتها الوطنية عبر إجراءات سريعة أشار إليها الخبير ديوب إليها، وقال: أولاً على دولنا أن تحمي مواردها الوطنية، وثانياً تفعيل استراتيجية الاكتفاء الذاتي تلك الاستراتيجية التي أثبتت فعاليتها في سورية خلال المرحلة السابقة بالاعتماد على الإنتاج المحلي، وثالثاً دعم مطلق وأساسي لمشروعات الأفراد الصغيرة والمتوسطة لأبناء الوطن التي أصبحت جزءاً رئيساً في دعم التنمية والاقتصاد الوطني، هذه الركائز الثلاث مهمة في عملية مواجهة تأثيرات تداعيات الوضع في أوكرانيا.
جزان: استمرار الحرب يهدد الأمن الغذائي العالمي
الخبير في الشؤون الدولية الدكتور نزار جزان أستاذ العلوم السياسية بجامعة دمشق أشار إلى النتائج الاقتصادية لما يجري في أوكرانيا نتيجة مواجهة روسيا لسياسات أميركا والغرب والناتو حول التوسع شرقاً والضغط لمنع تقدم روسيا والصين وصعود بقية الأقطاب الدولية في العالم، وقال: تعد روسيا و أوكرانيا من أهم المنتجين الرئيسين للسلع الأساسية كالغذاء والطاقة، لذا بات واضحا أن العمليات العسكرية وحالة عدم الاستقرار السائدة في تلك المنطقة نتيجة سياسات أميركا والغرب والناتو تسببت في ارتفاع أسعار هذه السلع على المستوى العالمي إذ وصلت إلى مستويات قياسية .
لذلك في هذه الحالة، ووفقا للدكتور جزان، فإنه بات من الطبيعي أن تواجه البلدان في العالم التي تعتمد على واردات النفط عجزاً متزايداً في الميزانية كذلك عجزاً تجارياً، فضلاً عن زيادة في مستويات التضخم، في حين أن بعض الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا قد تستفيد مرحلياً من ارتفاع أسعار الطاقة.
ونوه الخبير السياسي جزان بأن الشيء المقلق هو الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية، فقد يزيد من مخاطر اندلاع احتجاجات واضطرابات في العديد من مناطق العالم ولاسيما أمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى. وقد يؤدي استمرار الأزمة إلى انعدام الأمن الغذائي في عدة مناطق كمنطقة الشرق الأوسط .
وقال جزان: على العموم إن استمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا قد يؤدي إلى تغير ملموس في طبيعة النظام الاقتصادي والجيوسياسي العالمي، ولكن – من وجهة نظره – أن أكثر المناطق تأثراً بما يجري في أوكرانيا تبقى القارة الأوروبية، نظراً لاعتمادها على واردات الغاز الطبيعي الروسية، إذ ستواجه الحكومات الأوروبية المزيد من المشكلات في الميزانية بسبب الإنفاق الإضافي على أمن الطاقة وميزانيات الدفاع، وهذا سيكون له عواقب وخيمة ذات طبيعة سياسية على الداخل، فالصراعات بين القوى السياسية الفاعلة بما فيها الأحزاب وجماعات المصالح ستزداد حتما في ظل ضعف الموارد، الأمر الذي سينعكس على ماهية السياسات العامة المستقبلية لتلك الحكومات وعلى مدى نجاحها وفاعليتها.