الثورة- فاتن أحمد دعبول:
الرجل السوري الحقيقي، كما يليق بالسوري أن يكون، مثقفاً، عارفاً، قوي الحضور، صلباً جدياً، يشبه وصفاً كتبه الدكتور بشار الجعفري نفسه في توصيف كتابه “السياسة السورية الخارجية” تحدث من خلاله عن أهم ميزة في السياسة الخارجية السورية، أنها لا تعاني أي عقدة نقص تجاه أي دولة مهما بلغ وزن تلك الدولة السياسي وثقلها الاقتصادي وحجمها الديمغرافي وسطوتها العسكري.. دكتور بشار أنت تشبه هذه الفكرة، أو هي تشبهك.
بهذه الكلمات قدمت الإعلامية أليسار معلا الدكتور السفير بشار الجعفري في حفل توقيع كتابه” السياسة السورية الخارجية” الصادر عن دار” بستان هشام” في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية”.
وتوقف د. إسماعيل مروة عند محطات من سيرة الدكتور الجعفري، ووصفه بجوهرة السياسة والدبلوماسية والفكر، وبين أن منجزه الجديد “السياسة الخارجية السورية” يشكل إعادة صياغة للتاريخ لقراءته بعين جديدة، فالتاريخ ليس ثابتاً، وإن القراءة يجب أن تكون معبرة حسب الظرف، والحكم على التاريخ من ظروفه التي هو فيها، لأنه قد نستنتج أشياء جديدة، هذا ما أراده د.الجعفري من كتابه.
وفي كلمته بين الدكتور الجعفري الذي سيتسلم مهامه قريباً سفيرا لسورية في موسكو أن الحديث عن السياسة الخارجية السورية، حديث ممتع رغم الفكرة المسبقة لدى البعض بأن السياسة عمل يصعب فهمه، لكن السياسة الخارجية السورية تحديدا، تفتح الآفاق أمام معرف تتجاوز الإطار السوري إلى إطار أوسع، الإطار العربي، والأجنبي ثم إطار عدم الانحياز وصولا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم جميع دول العالم وعددها اليوم 193 دولة.
وأوضح أنه يسعى إلى كتابة موسوعة سياسية لتاريخ سورية خلال مئة عام، والهدف كتابة تاريخ سورية بأيد وطنية، والبداية من مؤتمر سايكس بيكو إلى أيامنا هذه، والكتاب يشكل الجزء الثاني من هذه الموسوعة، فقد سبقه كتاب “سورية وعصبة الأمم” وسيكون هناك جزء ثالث بعنوان “سورية في منظمة الأمم المتحدة”.
وبين أن السياسة الخارجية السورية كانت نبراسا في المفاصل الاستراتيجية، وهي انعكاس لهوية سورية، فكثيرة هي القضايا التي وقفت سورية ضدها وكانت على حق، وكان موقفها صحيحا، من مثل “اتفاق وادي عربة، الحرب اللاأهلية في لبنان، الحرب العراقية الإيرانية .. وكانت تتصدى للمخاطر مهما كلفها من ثمن.
فالسياسة الخارجية السورية تقوم أساسا على حرمة القانون الدولي وقدسية المبادئ ومصونية المرجعيات، وعلى التصدي للاستعمار والعدوان والاحتلال حيثما كانوا، وتكمن السمة البارزة في السياسة الخارجية السورية في عدم المهادنة مع المظاهر السلبية في العلاقات الدولية.
ويضيف: كتاب “السياسة الخارجية السورية” يعالج فترة بارزة في تاريخ سورية الحديث، تداعت فيها الأحداث بشكل مكثف للغاية في منطقتنا العربية وفي العالم، وكان لدمشق فيها الكلمة الفصل في تحديد العديد من السياسات والملفات والأجندات، وهي الفترة من عام 1946، بداية الاستقلال السوري ولغاية عام1982.
وفي هذه المرحلة يشير الخط البياني للسياسة الخارجية السورية إلى انتقال سورية الحديثة من مرحلة كونها ساحة للصراع والتنافس إقليميا ودوليا إلى مرحلة كونها لاعبا أساسيا فوق رقعة الشطرنج، وهو تمايز تصدى له الباحث البريطاني باتريك سيل في كتابيه الشهيرين “الصراع على سورية، ثم الصراع على الشرق الأوسط”.
وأوضح الجعفري أن الأهمية التي تحتلها سورية في قلب المشرق العربي والإقليمي، والمكانة التي تتصدرها في شؤون هذا المشرق، إضافة إلى الدور الشمولي لدبلوماسيتها النشطة ذات الاتجاهات المتعددة على الصعيد الدولي، كل هذا يسوغ الجهود المبذولة من أجل فهم أفضل لمنظور هذا البلد السياسي من خلال تحليل مفصل للدوافع التي تحدد المبادئ المرجعية الموجهة لسياسته الخارجية الحديثة.
كما أن فهم السياسة الخارجية لسورية في المرحلة من 1946 ولغاية 1982، يؤسس لاستيعاب الكثير من المعطيات المتصلة بطبيعة السياسة الخارجية السورية في المرحلة التي تلتها، وصولا إلى أيامنا هذه، حيث ازدادت التحديات كثيرا وتوسعت الجبهات والمخاطر وتداخلت الملفات وتغيرت المواقف في بعض العواصم بشكل انقلابي مذهل.