الثورة – نهى علي:
ليس عيباً التوجه إلى عيادات الأطباء النفسيين.. هي القناعة الجديدة التي يجري ترسيخها في الغرب سابقاً وفي شرقنا اليوم، ورغم أن المهمة صعبة إلا أنها بدأت تلقى استجابات ولو ببطء، لأن في الأمر ما يتعلق بمفهوم “الوصمة” ولهذه الأخيرة حضورها المؤثر في مجتمعاتنا.
بما أننا بدأنا بتجاوز وكسر الوصمة في جانب بالغ الحساسية – الصحة النفسية- فسنكون بالتأكيد مستعدين لتجاوز وصمة أخرى تتعلق بمسألة حساسة أيضاً وهي مهارات الخريجين الجامعيين ومؤهلاتهم لسوق العمل، فالكثير من حملة الإجازات المتصالحين مع الواقع باتوا يعترفون بنقص المهارات وعدم كفايتها لزجهم في سوق العمل مباشرة.
وهذه حقائق بدأت تلتقطها بعض الشركات الجديدة المتخصصة بصقل خبرات الخريجين، وبالأمس كانت فعالية لافتة من هذا القبيل، الجميل فيها أن المتدربين كانوا من اختصاصات عالية، اعترفوا بقيمة مضافة حققوها من التدرٌب، وهذه بداية الحل بما أن الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل كما يقال.
نذكر أننا أجرينا تحقيقاً في صحيفتنا “الثورة” منذ حوالي عشر سنوات حول مشكلة خريجي الكليات الهندسية في بلدنا والاختصاصات البعيدة عن احتياجات سوق العمل، وكانت حينها نقابة المهندسين صاحبة مبادرة خلاقة هدفها تقريب الخريجين إلى أقرب اختصاص فعال في سوق العمل، وهذا تصحيح لخلل بنيوي موجود في جامعاتنا مصدره العائدون من الإيفاد لصالح وزارة التعليم العالي – لأغراض تدريسية – باختصاصات هندسية من الجامعات في الخارج غير مطلوبة في بلدنا، وليسوا من اختارها بل فرضت عليهم حيث تم إيفادهم.. هؤلاء تم إحداث أقسام لهم في كليات الهندسة – المدنية خصوصاً – لتبدأ متوالية خلل يكبر ككرة الثلج.
ليس هذا موضوعنا.. بل هو مثال عن ضرورة الاستدراك وصقل المهارات بعد التخرج الذي علينا الاقتناع بأنه ضروري والاعتراف بضعف التحصيل العملي وبأن الاعتراف ليس عيباً، أي لنتخلص من الوصمة التي لن تعود وصمة حين يتزايد عدد المتصالحين مع الواقع من الخريجين.
مبادرات بالغة الأهمية يجب أن تجري بالتنسيق بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مع النقابات وقطاع الأعمال الخاص، ومن الأفضل أن يكون التدريب وصقل المهارات أثناء سنوات الدراسة وليس بعد التخرج لأن سنوات ما بعد الحصول على الإجازة يجب أن تكون سنوات عطاء للخريج وللبلد، ومن الأفضل أن ينجز ويبلور مهاراته قبلاً.. أفضل للخريج وللمؤسسات التي ستحتضنه وللبلد عموماً.