الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
كانت الانتخابات الرئاسية البرازيلية الأكثر متابعة عن كثب في الآونة الأخيرة، ووُصفت بأنها “الأكثر أهمية منذ عقود”، فقد فاز الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا (حزب العمال) على خصمه، الرئيس الحالي للبرازيل جايير بولسونارو (حزب التحرير – الحزب الليبرالي).
لم يسبق في تاريخ البرازيل أن واجهت البلاد مثل هذا الاستقطاب السياسي، ويمكن أن تكون هذه الميزات انعكاساً لبلد فقد أهميته في السنوات الأخيرة ويحتاج الآن إلى السعي إلى الاندماج الدولي في عالم يتسم بالتحدي وعدم الاستقرار.
تميزت العلاقات بين البرازيل وروسيا تاريخياً بفترات من القطيعة والتقارب، ولطالما كانت واشنطن وتأثيرها في أمريكا اللاتينية عنصراً ثابتاً في العلاقة بين البلدين. ومن ثم، فإن طبيعة العلاقة (التقارب أو التباعد) بين روسيا والبرازيل هي انعكاس مباشر للتغييرات السياسية والأيديولوجية في المشهد الدبلوماسي.
تميزت السنوات الأولى من ولاية بولسونارو بإعادة تعديل للنظام الأوروبي الأطلسي، والذي يتعارض مع الطبيعة الإصلاحية والتنافسية لبلدان البريكس، في هذا الجانب، وخلال حكومات حزب العمال، كان يُنظر إلى مجموعة البريكس على أنها حافز لتحقيق اندماج دولي أكبر، ودافع للبرازيل في البحث عن تغييرات في الهياكل الغربية للحوكمة العالمية، ومن المفارقات، في الولاية الأولى لحكومة بولسونارو، أن البريكس فقدت أهميتها في أجندة السياسة الخارجية البرازيلية وهبطت إلى منصة للتجارة الثنائية.
كانت الدبلوماسية الروسية محترفة للغاية في التعامل مع التحول في موقف السياسة الخارجية للبرازيل، وسعت إلى جذب بولسونارو إلى شراكات ثنائية مع روسيا، وجاء هذا التقارب في سياق العزلة النسبية للرئيس البرازيلي عندما هُزم ترامب في الانتخابات الأمريكية، يعترف الكرملين بالبرازيل كشريك مهم لروسيا في أمريكا اللاتينية لا يمكن أن يضيع بسبب التعقيد الخارجي أو الداخلي، ويسعى إلى منح البرازيل مكانة كحليف لا غنى عنه في تصميم العالم متعدد الأقطاب.
كانت البراغماتية والقيادة الإقليمية للبرازيل خلال إدارة “لولا” مسؤولة عن إرساء الأسس لعلاقة استراتيجية بين البرازيل وروسيا، يصبح موقف موسكو أكثر أهمية في السياق الحالي للعقوبات الغربية ضد روسيا، ويجب على البرازيل أن تلعب دوراً مهماً يمكن أن يفيد كلا البلدين، لهذه الأسباب، فإن روسيا ليست مهتمة ببرازيل ضعيفة وخاضعة للولايات المتحدة الأميركية.
بهذا المعنى، من المهم أن نلاحظ أن إدارة “لولا” معترف بها لبدء مجموعة من مشاريع التكامل في أمريكا الجنوبية التي حدت أو قللت من تأثير أمريكا الشمالية في عملية صنع القرار في أمريكا الجنوبية.
كان الروس ينظرون إلى هذه العوامل بشكل إيجابي، ومع ذلك، فإن العالم الذي حكم فيه” لولا ” البرازيل ، في الفترة من 2003 إلى 2011، لم يعد موجوداً؛ سيتعين على رئيس البرازيل السابق والمستقبلي تقديم المزيد من التنازلات إذا كان يريد ضمان الحكم.
تقف هذه الظروف في طريق استئناف دور القيادة الإقليمية البرازيلية في فترة يتعين فيها على “لولا” تركيز المزيد من الاهتمام على الشؤون الداخلية، ستجبره التحديات الاقتصادية التي تواجهها البرازيل على السعي للحصول على دعم واستثمارات خارجية، وقد يؤدي هذا الواقع إلى تدخل أكبر من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أجندة السياسة الدولية للبرازيل، وبالتالي الحد من مشاركة البرازيل في نظام يتحدى الهياكل النيوليبرالية والغربية للحوكمة العالمية.
سيظل الموقف الرسمي للبرازيل بشأن الصراع في أوكرانيا عملياً في ظل إدارة “لولا” الرئاسية. يشهد على هذه الحقيقة من خلال الطريقة التي صوتت بها البرازيل في الأمم المتحدة ومواقف حكومة حزب العمال أثناء اندلاع أزمة “ميدان” 2014.
من غير المرجح أن تتخذ وزارة الخارجية البرازيلية موقفاً أكثر حزماً في دعم أي من الطرفين، لأن البرازيل بحاجة إلى واردات الأسمدة من روسيا، وفي الوقت نفسه، تعتمد بشكل كبير على التجارة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يعتبر رئيس البرازيل المنتخب “شخصاً غير مرغوب فيه” في الحكومة الأوكرانية لإشارته إلى مسؤولية أوكرانيا في الوضع الحالي، كما تعرض بولسونارو لانتقادات بسبب حياد البرازيل.
وبهذا المعنى، فإن مستقبل العلاقات بين البرازيل وروسيا مرهون أيضاً بقدرة روسيا على التعامل مع الضغوط الغربية التي ستخضع لها ولاية لولا دا سيلفا الجديدة، إضافة إلى عدم القدرة السياسية الغربية في بناء حوار مثمر مع البرازيل.
المصدر: منتدى فالداي