كانت الأعطية جرة ماء من بئر جمعت فيها مياه الأمطار .. هي التي استوجبت كل ذاك الدعاء الذي جلست طفلاً اصغي لصاحبته.
من زمان .. في البعيد الذي عشناه كان الحصول على الماء من أصعب مشقات الحياة .. إن لم تكن في بيئة تجاور نهراً أو نبعاً .. وقد اقتضى في حينه نقل الماء على الأكتاف أو على الدواب من العيون والأنهار .. وهذا يعني بالضرورة، الاكتفاء منه بما يفي بالحاجة الدنيا.
فتش عن الماء من أجل الحياة .. تلك هي الحقيقة التي عرفها الإنسان منذ القديم، حتى صاغها القانون الإلهي بقوله تعالى: وجعلنا من الماء كل شيء حي.
ورغم أن الماء .. كان يتدفق من بين الصلب والترائب ينابيع ويجري أنهاراً .. ما دفع الإنسان إلى التجمع من حولها وبناء حياته وإقامة حضاراته القديمة في تجمعاته تلك .. إلا أنه شغله وأدهشه دائماً هطل المطر .. وتأخر حتى ربط بين هطل الأمطار وتفجر الينابيع وجريان الأنهار.
الأمطار عموماً .. ورغم أنها تهطل على مواعيدها وليس بتقديرات الإنسان … إلا أن الاستفادة منها أسهل .. ترسل الطبيعة المطر مدراراً فيتوزع على الجبال والهضاب والسهول والوديان متيحاً حصاده للإنسان بالنسبة الكافية ليسقي البشر والزرع والضرع .. فيبتعد الماء في نشر فوائده عن سرائر الأنهار ومسيرها وفقط.
أقام البشر السدود وحفروا الآبار وأنشؤوا قنوات الجر .. وحلوا مياه البحر .. وطوعوا الكثير من مداميك الطبيعة .. إلا أنهم لم يستغنوا عن مياه الأمطار .. وجدوا تعويضات عن شح الأمطار فزادوا في الحضور المائي عبر تطويع التكنولوجيا المطلوبة المناسبة .. وظل ترقب هطل المطر حال الدنيا بأثرها.
عرف السوريون جمع مياه الأمطار في فصل الشتاء ليتصرفوا بها أيام الشح والحر والحاجة .. وفي إطار تطويرهم لحياتهم .. مع التقدم العلمي والتقني .. استفادوا من ضخ وجر مياه الأنهار والسدود لتصل للسكان في مواقع شتى .. وكان ذلك انتصاراً حقيقياً في معركة تحسين الحياة .. لكنه لم يكن بلا آثار جانبية سيئة .. إذ تراجع الناس عن بناء الآبار السطحية والخزانات والبرك التي تمكنهم من جمع الهاطل المطري .. فأصبح الاعتماد الكلي على مياه الجر التي بكل أسف لم تعد تفي الحاجة .. وفي ظلمة أزمة الكهرباء لم يعد ثمة ما يضيء على واقع المياه وهو واقع لا يسر الخاطر !!.
الاستفادة من الحصاد الصحيح السليم من الهاطل المطري حكاية تُلي كثير من فصول الدعوة لها.. والمؤسسات المعنية به غابت.. وظل الهاطل المطري ينساب حراً إلى البحار والبخار .. والذي نراه اليوم أنه لا بد من العودة لتشجيع بناء الآبار السطحية لجمع مياه الأمطار ووضعها في خدمة البشر .. فالوضع أنذر كثيراً .. وما زال ينذر .. بأخطار تصل حد الهلاك .. بل هو تجاوز الإنذار ..
As.abboud@gmail.com