الملحق الثقافي- حسين صقر:
أعجبتني مقولة لمفكر وباحث وكاتب لبناني مؤسس جامعة الذاكرة الكونية اسمه كمال مسعود يقول فيها:»ليسَ الصمتُ العابرُ للضجيجِ المضطرب، إلّا سريان صوت الحقِ اللطيفِ إلى قلوبِ ونفوسِ أهلهِ من خلقِ الله على اختلافِ مذاهبهم»
وهو ما يقودنا لمقولة أخرى يعرفها كل منا، وهي «الدين لله والوطن للجميع»، كائن من كان قائلها، لايهم، لكنها تصور في العمق شعاراً جميلاً متكاملاً يسمو ويرتفع على كل المسميات القومية والدينية والمذهبية، أي كن كما تريد أن تكون، واعبد كما تحب أن تعبد، شرط أن تتذكر هذا الشعار ولا تعتدي على مواطن آخر في وطنك له ما لك وعليه ما عليك.
قد يقول قائل: إن تلك المقولة خطأ وأن الدين هو قانون للبشر، وليس لله، والوطن ليس للجميع وإنما لمن يحب الوطن ويحميه، لكنه يبقى قانوناً بغض النظر عن تصنيفه، المهم مايحمل في ثناياه وما يحتويه وما هي الدعوة الموجهة من خلاله، كما أن محبة الوطن تختلتف من شخص لآخر، وليس كل ساكن فيه يحبه، ولا كل من غادره يكرهه، حيث لا أحد يستطيع أن يقيّم من يعشق الوطن وترابه ومن يبغضه، لأن المسألة تبقى نسبيه، والدين يحتوي على مجموعة من القوانين، فكلمة حرام أي ممنوع بأي شكل من الأشكال، وكلمة حلال أي يجوز كما في أي قانون وضعي.
فالدين لله، و الوطن لله والبشر لله، والله سبحانه أمر ألا يعبدوا إلا إياه.
ولهذا جميع المقولات والدعوات تدعو إلى المحبة في الله والتسامح، وترك شؤون الحساب والعقاب في الأديان لله عز وجل.
فبغض النظر عن القائل حسب مايشاع، سواء من بريطانيا بيتر صاموئيل أم صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الفرنجة أم سلطان الأطرش في بيان الثورة السورية، أم سعد زغلول خلال ثورة ١٩١٩ في مصر، أم مصطفى الرافعي في حفل مسرحي خيري في القاهرة، المهم مغزاها ومعناها ومضمونها وما تحمله من عبق القيم والمبادئ، والدعوة الصريحة لعدم التفرقة بين الناس على أساس الدين أو المذهب أو الانتماء القبلي والعشائري.
حقاً إنها دعوة لسريان صوت الحق في الضمائر، واختصار لصمت يخترق ضجيج الذات والتساؤل عما يختلج في النفس البشرية، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخلق، وهو أدرى بما فيه مصالحهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم وما ينفعهم، لذا فالحقيقة التي تحملها تلك المقولة ينبلج منها معنى حقيقي، لأن الدين لله حقاً وصدقاً ويقيناً، والوطن للجميع وهذا صدق أيضاً بحسبان أنه لا فرق بين المواطنين بسبب الجنس أو اللون أو العقيدة أو الدين، إلا أنه لا يجب الأخذ بمفهوم للعبارة المذكورة على نحو يفصل بين الدين والدولة، في الوقت الذي يجب نعزز فيه فكرة بأن كل وطن لا دين فيه، لن تعتز بوطنيتك فيه ولا العيش فيه، لأن الدين والوطن لله.
إن إرساء فكرة الدين لله والوطن للجميع، دعوة ضد أي أفكار فتنوية هدفها زرع الشقاق والفوضى والتناحر، بغض النظر عن قائلها، ولا تحتوي إلا رسالة لتوحيد الصفوف ضد أي غاز أو معتد أو آثم يريد النيل من وحدة الصف، لأن الوطن لكل الناس باختلاف ألوانهم أو انتماءاتهم، فثقافتهم شيء، ومعتقداتهم شيء آخر، ومع أن ذلك مهم جداً لهم، لكن يبقى الترفع عن التصنيف والتقسيم، أساسي لنهضة الشعوب في كل المجالات، وعلى كل الصعد، وفي مشارق الأرض ومغاربها لاتختلف المبادئ والقيم ولا تتجزأ، فالسرقة فعل شائن والنميمة والكذب من الكبائر، وقتل النفس حرام بغض النظر عن الدين، وأن على كل إنسان أن يعتقد ويؤمن بما يرتاح إليه قلبه، فإيمانه متعلق بالله والله وحده فقط، بل وأكثر من ذلك، من الضروري جداً احترام الآخر سواء اختلف عنه في المذهب أم الدين أم الثقافة، لأن ضرورة احترام فكر الآخر ضرورة واجبة، وهي احترام للذات وحفظ للنفس من المكائد والشرور، وعلى كل إنسان يعيش على هذه الأرض، ويجب علينا أن نحترم فكر واعتقاد الآخر الذي نتعامل معه، ولانسمح لأنفسنا أبداً أن نستخف أو نستهين بما عنده من أفكار أو معتقدات.
بعد كل هذه المعاناة والآلام نحن بحاجة للخير الذي يعيدنا للحياة، للأفراح حتى لو كانت صغيرة، للعفوية
النابعة من أعماق القلب، بحاجة لأرواح نقية تسكب الحب حروفاً عذبةً، وتتسلل إلى أفئدتنا لتملأها إشراقاً وجمالاً بعيداً عن الكراهية والأحقاد وأي غايات لا تسبب سوى المآسي والأحزان.
العدد 1122 – 29-11-2022