الملحق الثقافي- علم عبد اللطيف:
من الكتب القديمة التي مازلت احتفظ بها من مكتبة والدي..كتاب» الحكماء الثلاثة» المؤلف أحمد الشنتناوي عن دار المعارف للطباعة والنشر بمصر..١٩٥٣.
أورد من الكتاب بعض المعلومات بتصرف عن حكيم الصين كونفشيوس حياته وفلسفته – في الشرق ملايين من البشر تدين بمذاهب دينية لا تنتمي إلى الأديان السماوية التي ظهرت بمنطقتنا. ففي الصين مئات الملايين من الناس يدينون بتعاليم كونفشيوس. حكيم الصين الفذ، وهم يرتبون حياتهم وعلاقاتهم الاجتماعية على أساس هذه التعاليم التي يقدسونها، ومن العجيب أنه لا يخلو كتاب في تاريخ الأديانمن فصل مهم عن مذهب وتعاليم حكيم الصين كونفشيوس، وقد أجمع كثيرون على أن الكونفشيوسية ليست دينا. وإنما هي مذهب أخلاقي، وأسلوب من أساليب الحياة. ومن يقول إن الكونفشيوسية المحدثة هي دين. يعترفون بأن التعاليم الأصلية لكونفشيوس لم تكن في عهده تدعي أنها دين.. لكن الواقع يتعامل معها على أنها دين حقيقي.. فقد كان كونفشيوس رجل دين. تمثل جميع العقائد الصينية القديمة، وكان اتباعه رجال دين أيضاً.
والكونفشيوسية كلما تقدم بها الزمن أمعنت في التدين. ومهما يكن من أمر، فإن الكونفشيوسية سواء أكانت ديناً أم فلسفة أم مذهباً أخلاقياً.فإنها قد أدت مهمتها التي يبتغي أن يؤديها أي دين آخر. والواقع أن كونفشيوس قد تجاهل في تعاليمه أموراً كثيرة كان يُنظر إليها على أنها من أساسيات الدين ومظاهره.فهو مثلاً لم يذكر في تعاليمه أي نوع من أنواع العبادة كالصلاة أو غيرها. ولم يرد في تعاليمه أنه ما يدل على ضرورة إقامة أماكن خاصة للعبادة يؤمها الناس في أوقات معلومة للصلاة أو الابتهال والتوسل. وحقيقة أن تعاليم كونفشيوس أصبح يطلق عليها اسم المذهب الإنساني والواقع أن هذا الحكيم هو من أهم الرجال الإنسانيين في العالم.
وأساس تعاليمه يقوم إن على المرء أن يصل إلى ما يبتغي من درجات التقدم والسعادة عن طريق ذاته فحسب. بتثقيف نفسه وتهذيبها.لأن المعرفة الصحيحة هي وسيلة الحياة الهانئة، فحث الناس على توسيع مداركهم المتصلة بالعالم الخارجي أو بذات نفوسهم. وهو ما يؤدي إلى خلق عالم تسوده العدالة والمحبة والسلام. باعتبار الدين هو المعاملة.مواساة اليتيم والبر بالفقراء والمعوزين، وحفظ اللسان وكف اليد عن الأذى والاعتداء والابتعاد عن الشرور. في عام ٥٥٢ قبل الميلاد كان والد حكيمنا لديه تسع بنات.فتزوج من أخرى. من أسرة صينية شريفة. هي أسرة كنج، وكانت من أسرة دينية معروفة. فولدت له غلاماً وما يزال إلى الآن يعيش في إقليم شانتونج..بالصين سلالة هذا الغلام من أبناء الجيلين الخامس والسادس والسبعين.يبجلهم الناس لأنهم من سلالة كونفشيوس العظيم. لم يكن حكيمنا بهذا الاسم بادئ الأمر.
واسم كونفشيوس هو صياغة لاتينية صاغها القساوسة اليسوعيون في الصين في القرن السادس عشر. وقد أوصوا البابا في روما بأن يدرج اسم كونفشيوس في قائمة قديسي الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. كان اسم الصبي..كنج..فو..تسي. ومعناه..كنج السيد.أو المعلم. ومن ثم أصبحت كونفشيوس. وهو أقرب الصيغ اللاتينية التي ارتآها اليسوعيون لهذا الاسم الصيني. ولد كونفشيوس في منتصف القرن السادس قبل الميلاد.وهو الوقت الذي ظهر فيه صولون المشرع وفيثاغورس الفياسوف في اليونان وبوذا الحكيم في الهند.
وكان الحكام الإقطاعيون يوطدون سلطتهم في مدنهم المسورة الحصينة، وأسندت لكونفشيوس وظيفة حكومية في إقليم لو، حيث يقيم.هي خزن الحبوب والإشراف على الأراضي التابعة للحكومة.فاحترمه الناس وقدروه لإخلاصه وحكمته. وفي هذه الفترة أفصح عن فلسفته في الحياة. فقد عهد إليه تسوية نزاع بين الرعاة المتنافسين. فجمعهم وألقى عليهم درساً فلسفياً في سخف التنازع على توافه الأمور. وظهرت نزعته في وضع قواعد مبسطة للسلوك الإنساني..(لا تصنع بالآخرين ما لا تحب أن يصنعوا بك..). وكان من طائفة المعلمين الجوالين.يتنقل من مقاطعة لأخرى مع عدد من التلاميذ.ولم يدّع يوماً أنه نبي مرسل..أو القديسين الذي تتجلى لهم الرؤى وتأمرهم لدعوة الناس إلى دين. وإنما كان حكيماً اطلع على كتب الصين القديمة وعقائدها.واستخلص منها فلسفته وفكره. وخذا حذو أرسطو بالتنقل ومخالطة الناس. وكانت الدروس التي يلقيها على تلاميذه تشمل الموسيقا والشعر والآداب والتاريخ والتربية والأخلاق، واستبعد من دروسه تمجيد البكولة الجسمانية والثورات.وتحاشى الدخول في أحاديث عن الكائنات غير المنظورة. وكان شديد العطف على الحيوانات..ونهى عن الصيد..حتى صيد السمك..وكانت أفعاله مثالا يحتذي به تلاميذه وكل من عرفه.
العدد 1122 – 29-11-2022