الملحق الثقافي- وفاء يونس:
تبدو الترجمة من اللغة الصينية إلى العربية نادرة، وقليلة على الرغم من أن الأدب الصيني يمثل مركز إشعاع فكري حقيقي، وبؤرة ضوء إنساني، ومن المعروف أن العلاقات العربية الصينية كانت منذ آلاف السنين والتواشج الحضاري والثقافي هي الأساس في هذه المختارات من الشعر الصيني، نقدم باقة مختارة ترجمتها إلى العربية المترجمة العربية المصرية المبدعة «يارا المصري « التي عرفت بما تختاره وتقدمه إلى القراء العرب من الأدب الصيني المعاصر.
تقديم :
ترى يارا المصري أن الشعر الصيني المعاصر لايزال بعيداً عن القارئ العربي، وخاصة شعر فترة الثمانينات وما بعدها، لم نعرف منه سوى القليل غير الكافي لمواكبة حركة وتطور هذا الأدب البعيد عنا في الشرق، ومن جهة أخرى غير كافٍ لمواكبة حركة الترجمة عنه في العالم بأكمله.. وهنا، اخترت تيارين من أهم تيارات الشعر الصيني المعاصر لتقديمهما للقارئ وشاعرة من أهم شاعرات النسوية في الصين وهي الشاعرة تشاي يونغ مينغ، التيار الأول «تيار الشعر الضبابي. الرمزي» الذي تعرفنا عليه من خلال الشاعر بي داو، والتيار الثاني «الجيل الثالث من الشعراء».
أما عن تيار «الشعر الضبابي.. الرمزي» فقد اختلف عمَّا قبله من حيث المضمون والمحتوى، مبتعداً عن التعبير المباشر عن المشاعر، والاستعانة عوضاً عن ذلك بالرمز والمعنى الضمني، متأثراً بأساليب الشعر الغربي، حيث انفتحت الصين في فترة الثمانينات على العالم، كما حدث في حركة «الرابع من مايو» في عشرينات القرن المنصرم، وتأثرت بالتيار الأدبي الغربي، لتنجح للمرة الثانية في الاندماج مع ذلك التيار، وتنتعش الحركة الأدبية في الصين على مستوى الإبداع والدراسات النقدية وغيرها، وتقدم للقارئ الصيني وللعالم أدباً يستحق القراءة والاهتمام.. وقد آثرت هنا تقديم قصائد لشعراء آخرين غير بي داو، مثل الشاعر دُوَ دُوَ، مانغ كي، الشاعرة وانغ شياو ني، والشاعرة الأبرز شو تينغ.
وأما عن «الجيل الثالث من الشعراء»، فقد بدأ في منتصف الثمانينات، متمثلاً في مجموعات من الشعراء ظهرت في بكين، شانغهاي، نانجينغ، هانغتشو، وسيتشوان، ساعين إلى فصل أنفسهم عن التيارات الأخرى، حيث جاءت قصائدهم قريبة من الواقع والتفاصيل المعاشة وحياة الناس، وذات نزعة فردية تتميز بحس التهكم والسخرية والكوميديا السوداء، على عكس تيار الشعر الضبابي ذي النزعة المثالية، المعتمد على التخيلات والرمز والاستعارات.. ومن أبرز شعراء هذا الجيل الذي أقدم ترجمات لقصائده: الشاعر وان شيا، يو جيان، والشاعرة لو يي مين.
وانغ شياو ني:
وُلِدت عام 1955 في مقاطعة جيلين، وتخرجت من جامعة جيلين عام 1982، ثم عملت محررة أدبية للأفلام، واستقرت منذ عام 1985 في مدينة شينجين.
ضوء القمر باهر السطوع
في ظلمة الليل، يضيء القمر العظام كلها.
أتنفس ضوءه الساطع.
هموم العالم التافهة
تتحول إلى يراعات متساقطة.
المدينةُ هيكلٌ عظمي
لا توجد أي حياة
تنسجم مع مشهد ليلي بهذا النقاء.
أزحتُ ستارة النافذة
لأرى العالم وقد تناغم مع ضوء القمر الفضي
حتى نسيت معه أنني إنسان.
تتدرب الحياة في آخر مشهد لها
في مدى هادئ
ما أن وصل القمر إلى أرضِ المنزل
تنبأت قدمي بقدومه مسبقاً.
حزن بطيخة
بعد أن دفعتُ النقود
تبعتني البطيخة كسجين معصوب العينين.
ركبنا الباص
هذا الصبي الذي لم يغير ملابسه طوال حياته
الصبي بلا عظام ولكنه متفجر بالدم
الصبي الذي دُقَّ عليه مرات غير معدودة
في منتصف الطريق غيرنا مسارنا
كان هناك دائماً ما يمنعنا من العودة إلى المنزل.
كانت تلك البطيخة ذات الحياة الممتدة
تتخبط في الباص يميناً ويساراً
إنه لأمر صعب أن ترغب في الموت أو أن ترغب في الحياة
أضاء القمر محل سكاكين يغلق أبوابه.
يجب أن أثبت رأسها بيدي
تلك الرأس المترعة بالدماء
بلا أي سبب، أحمل تلك البطيخة
وبلا أي سبب، تحلمني مشاغلي.
دُوَ دُوَ:
ولد في بكين عام 1951.. بدأ في كتابة الشعر عام 1972، وفي عام 1982 بدأ في نشر قصائده، حاصل على جائزة نيوستاد الدولية للأدب، تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات، ويُعتبر من أهم الشعراء في الصين.
من جهةِ الموت
من جهةِ الموتِ سترى دائماً
أشخاصاً ليس من المفترض أن تراهم طوال حياتك
كنت ستصل صدفةً إلى مكان
تتشممه، ثم تدفن نفسك
تدفن نفسك في مكان يكرهونه
ثم يهيلون تراب الأرض على وجهك
لابد أن تشكرهم.. وحين تشكرهم مرة ثانية
لن تبصر عيناك العدو
ومن جهةِ الموت ستنبعث
صرخات خصوماتهم
ولكنك لن تسمع ذلك مجدداً
وما تلك الصرخات سوى صرخات ألم!
تلك الجزر
هي أصابع أقدام تركت الحذاء
على هيئة فرار، لكنها لم تفارق الأرض
هي ورم حقيقي ينمو في الدماغ
لكنها لم تفارق الزمن
تتغير في المناظر الساكنة
لكن في كل مرة تعلو الموجة تقول: لا
تأتي وحدتها من أعماق البحر
من بقايا وجه البحَّار الذي أكلته الأسماك
من شخص لا يقوى على فراق الأمواج العاتية
وصل هتاف الشخص بلا أسنان إلى هنا
الوحدة، حُكِمَ بإنقاذها هنا
حين آتي مع السياح، كحبات لؤلؤ زائفة
تندفع على رصيفها، أتأمل
ظلي الذي ألقيته في قاع البحر
ومحراثٌ معبأٌ بحبات لؤلؤ
يجرف المقبرة الباقية في الرأس
هناك، تحت رمال القاعدة البحرية الضاحكة
لا تزال، لا تزال تنمو أرضُ قفرٍ نافعة.
شو تينغ:
ولدت عام 1952 في مقاطعة فوجيان. انضمت لمجموعات الشباب المثقفين الذين أُرسلوا إلى الريف أثناء الثورة الثقافية عام 1969..عادت الشاعرة من الريف إلى المدينة عام 1972، واشتغلت في مصنع للأسمنت، ثم في مصنع للغزل والنسيج، ثم في مصنع لمبات.. وفي عام 1979 بدأت في نشر قصائدها، وانضمت إلى رابطة الكتاب الصينيين عام 1983، وهي من كتاب الصف الأول في الصين.
شاطئ بيّ داي خي
في تلك الليلة
وكأني كنت في الثامنة من عمري
لا أدري ماذا يريد
عنادي
شَقَقتَ الأحراشَ المخضلة
وأرشدتني إلى الشاطئ
هناك كان النسيم اللطيف
يُداعب حوافَّ القمر
متناغماً
ثم يغرق في العتمة
أعقابُ سجائر مُجَمَّرة
تساقطت من عينيك شعلتان
وبتهكمٍ أطفأتَ
بأصابعك شرارةً جاءت بسرعة
ثم التفتَ فجأة
وبوهنٍ
وبصوتٍ مرتعشٍ سألتني
ما بال البحر
لا أرى أي شيء، أُنظرْ
لقد وصلنا النهايات
وحين استعدتَ
كلَّ كبريائك وتقديرَ ذاتِك
عُدتَ إلى المرسى البارد
ومنحتَ العصرَ والتاريخ
ونفسك كاملاً
معتقدات راسخة لا تُقهر
أعطني
حزنكَ
لأحمله إلى الجنوبِ البعيد
ودع النوارس والمراكب العائدة
وقصائدكَ التي لم تكتبها بعد
تَهِبُ جمالاً
لمرسى كلِّ قلب.
إهداء إلى جيلي
حين يكونون في السماء
يتمنون نجمة
حين يكونون على الأرض
يتمنون مصباحاً
لا يهم إن كان الضوء خافتاً
بل أن يكون فقط كافياً
ولأنهم مُنكَرون
هم شجعان صادقون
وعلى الرغم من أنهم كالدموع تتساقط على
الأرض الحانية
لكن لا يزال رجعُ صدى متواصل وبعيد
يتنشر في الأرجاء
حتى تكتشف أرض الروح العذراء
وتدخل إلى المنطقة المحرمة، ربماــــــــــــــــ
عليك أن تضحي هناك
وتترك آثار أقدام متفرقة
لتكون بطاقة مرور
لمن سيأتي بعد.
العدد 1122 – 29-11-2022