الحصان الحديدي أو الجرار أو التّراكتور وأحياناً اختزالاً “الترك” كما يسمونه في المناطق الشرقية.
الآلة الزراعية التي مازالت تقدم خدماتها في الحقول والبساتين صحيح أن الاعتماد عليها قل كثيراً بظل وجود وسائط أخرى أقل حجماً وربما استهلاكاً أيضاً للوقود..ولكن الجرار الزراعي مازال شاهداً على النهضة الزراعية التي شهدتها سورية، وكانت قد آمنت حتى مستلزماتها من الآليات الثقيلة..مصنع جرارات الفرات الذي نال شهرة كبيرة حتى خارج سورية.
وللأسف كان مستهدفاً بالحرب العدوانية على سورية لكونه أحد ركائز النهضة الزراعية والاقتصادية وكان ما كان… ولا أدري إن كانت الحكومة قد قررت أن تعيد إحياء هذه الصناعة بغض النظر عن تكلفتها لأننا بأمس الحاجة إليها.
وفي ذاكرتي أول (تراكتور) كان زينة قريتنا والقرى المجاورة.. تراكتور أبو سليم رحمه الله.. وأبو سليم رجل قيم وانضباطي هادئ وقور محب للجميع.. يقدس الالتزام بالعمل والتوقيت كان يمكن لمن لا يعرف كم الوقت أن يضبط إيقاعه على حركة جراره لمرة واحدة نزولاً إلى العمل وعودة منه.
مرة واحدة ليس إلا والعطلة يوم الجمعة كم كنا نشعر بالفرح صباحاً عندما نذهب إلى المدرسة والجرار يقف في ساحتها بعد قليل يصعد إليه أبو سليم وهو يلقي السلام علينا.. يتركه يتدحرج قليلاً نزولاً، وفجأة يبدأ صوت محركه وتبدأ رحلة العمل اليومي..
وأذكر أني ذات مرة سألني المعلم ماذا تتمنى أن تصبح عندما تكبر؟.
من دون تردد وكانت زميلتي في الصف تهمس_ سائق تراكتور_ لم أخيب همسها قلت: سائق تراكتور..ضحك المعلم واقترب من غيري، والمفاجأة أن أكثر من نصف الصف كان يريد أن يصبح طبعاً من الذكور سائق تراكتور..
مضت الأيام وجهدت لأن أتعلم قيادة الجرار لكن من دون جدوى..ومازلت أحلم أن يكون البعض بقيم وشهامة وانضباط أبي سليم رحمه الله ..
أن أرى الطرق الزراعية تلف القرى والوديان وان نكون قادرين على الوصول إلى الأرض التي كانت جراراتها الدواب التي هندست طرقا للعبور وقد اختفت الان ..
نريد جرار ابي سليم ..نريد أن نصل أرضنا أن نعود إلى استثمار كل شبر فيها …اريد ان اكون سائق (تراكتور) لكن ليكن صغير الحجم ومن صناعة بلدي …أمنية متأخرة جدا ..ولكنها الحياة.