الهبوط من الجنة

يحدث في وادي السليكون أن يولد (أوبتيموس).. ولكن مَنْ هو (أوبتيموس) هذا؟ إنه ذلك الإنسان الآلي الأكثر شبهاً من بين مثيلاته بالكائن البشري، والذي يعدّ النموذج الأمثل، والمبتكر حديثاً، ليغزو الأرض عما قريب كما يأمل صانعوه بهدف: (تغيير الحضارة، وبناء مستقبل ينتفي فيه الفقر) على حد قولهم.. إذ إن ذلك سيسهم بشكل فعّال في تخفيض تكلفة الإنتاج، وتوسع سوق العمل، وبالتالي النهوض بالاقتصاد.. ومن ثم يتحول الآلي إلى البطل الخارق الذي بمقدوره أن يحدث تغييراً كبيراً على مستوى العالم، بل إن مقدار الوعي الذي ينطوي عليه ذكاؤه بإمكانه أن يحدث فارقاً مزلزلاً في مجال تقديم خدماته للبشر بما يجعل من حياتهم أفضل فأفضل.

وإذا كانت النماذج المعروفة من الإنسان الآلي حتى الآن لا تستطيع أن تجد بنفسها حلولاً للمشكلات التي تواجهها فإن الكائن الآلي الجديد هذا يستطيع، وسيفعل لأنه يمتلك عقلاً متطوراً كما الكائن البشري.

إلا أنني أتساءل هل هذا الآلي الأمثل سيمتلك بالتالي التصرف الأمثل الذي تضبطه أخلاقيات السلوك، والتي عليها أن تسير بالتوازي مع التقدم التقني ليفوز عندئذ بجائزته، ويستحق لقب الروبوت البشري؟.

ولكن.. على الرغم مما للإبداع، والابتكار من أهمية، ودور إيجابي في تطور البشرية من خلال المخترعات الحديثة ألا يقومان بالتالي بإعادة صياغة الإنسان المعاصر وفق معايير جديدة تماماً؟.. أظن ذلك.. فأطفالنا الذين سيعتادون رعاية أناس آليين لهم، ولاسيما إذا ما كان لهم مظهر بشري يألفونه من دون إحساس بالغربة نحوه، فإنهم سوف يُحرمون من لمسة الحنان التي تقدمها الأم، ويقدمها الأب فيما يقومان به تجاه أبنائهم، أو أن الأبناء لن يتعرفوا إلى تلك المشاعر لترسخ في وجدانهم منذ الصغر كحال الأجيال التي سبقتهم عبر القرون فيمارسونها في مستقبل أيامهم عندما يأخذون دور الأب، أو الأم. ثم ماذا بعد.. إذا أصبحت الآلات المزودة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تقوم بكل مهام البشر، والعضلية منها على وجه الخصوص ألن تضمر تلك العضلات ليتغيّر شكل إنسان المستقبل كما تغيّرت مشاعره؟.. ربما.

أما العقل الذي لا تتوقف نبضاته عن الاختراع، والابتكار، فستكون له السيادة المطلقة على الحياة على الأرض بعد أن ألغي دور الجسد، وأصبح الآلي رجل المهام الصعبة، وبعد أن تداخلت الحدود بين ما يختص به البشر، وما تختص به الآلة ولو كانت ذكية.

ربما سيظل الناس لعقود طويلة من الزمن ينبهرون بإمكانات الذكاء الصناعي الذي يسكن أجساداً معدنية، وهذا ما يدفعهم بالتالي لاستخدامها، والاعتماد عليها في إدارة شؤون حياتهم، ويصبح من العسير الاستغناء عن خدماتها، فالآلي الذي يستطيع أن ينفذ مهامه بمهارة، وإتقان يمكن له أن يكون خادماً في مطعم، وسائق سيارة، وممرضاً في مستشفى، أو طبيباً، وعامل بناءٍ، وغير ذلك كثير، وهو مما سيستسيغه البشر إذ هم يصلون من خلاله إلى عتبة عالية من الرفاهية، والتمرد على روتين الحياة الاعتيادية.. إلا أن هذا في حقيقته سيفقدهم مع مرور الوقت لذة الراحة بعد التعب والعناء، ولذة التواصل مع أناسٍ يشبهونهم.

أما الوظائف التي ستُبتكر للناس تعويضاً عما فقدوه من وظائفهم المعتادة في الحياة الطبيعية قبل أن تدخل إليها الآلة فتلك مخاطرة لها شأن آخر ما لم تتوافق هذه المهن الجديدة والميول، والرغبات عند الأفراد، والجماعات، بل ماذا عن المهن التي يتقنها الإنسان وقد توارثها أباً عن جد، ورسخت عناصرها في ذاكرته الجمعية حتى بات محوها من الأذهان، أو من ساحة العمل ليس ذاك بالأمر السهل.. وعلى افتراض أن هذه المهن ظلت قائمة فهل سيتوافق مَنْ يعمل فيها مع زميل آلي له؟ أم أن هذا قد يخلق بدوره صراعات من نوع جديد أيضاً، وربما مبتكر، يتجاذبها طرفان أحدهما من لحم ودم، وثانيهما من أسلاك ومعدن. أو أن رصاصة رحمة ستصيب هذه المهن فتنفيها من الوجود.

الإنسان يعمل في مساره التطوري، والابتكاري ليجعل من الحياة على الأرض أكثر سهولة، وأمتع عيشاً، لكنه ربما يأتي عليه وقت يشعر معه بالحنين إلى ما فقده، وأنه بحاجة لأن يعود إلى ما كانت عليه حياته السابقة قبل الغزو الآلي لها، فيقف مع نفسه وقفة مكاشفة ويسأل: هل هذا هو ما يسعى إليه حقاً؟.. أم أنه لم يدرك إلا متأخراً أنه إنما كان يسعى باتجاه الهبوط الثاني له من الجنة إلى الأرض.

* * *

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق