رأى الحكماء قديماً، أن خلود الإنسان بثلاث ” ولد صالح وشجرة معطاء وكتاب قيّم”..
وهي بالفعل معززات حقيقية لترسيخ أثر إنسان مرّ على هذه الدنيا ورحل ..
المقولة رمزية نوعاً ما، فبعضهم ترك أثراً طيباً بدون كتاب أو شجرة، وكانت بصمته عملاً طيباً أو مساهمة اجتماعية، أو حضوراً دافئاً في أوساط الفقراء والمعوزين..
اليوم نبدو بأمس الحاجة لمن يمكنهم توثيق أثر طيب في سجلات هذه الحياة، وقد تكون الظروف الصعبة الراهنة فرصة لاتتكرر كثيراً أمام القادرين .. وبمصطلحات اليوم “الميسورين” لأن أي مبادرة خلاقة ستشكل قيمة مضافة وعلامة فارقة في محافظة أو مدينة أو حتى قرية.
بالأمس أطلق أحد رجالات محافظة طرطوس “مبادرة نور” بالتعاون مع وزارة الأوقاف ومجلس المدينة، لإنارة الشوارع الرئيسة باستخدام ألواح الطاقة الشمسية.. وهي خطوة هامة لعدة اعتبارات إذ لايجوز أن تكون شوارع مدينة محافظة مظلمة وفيها أناس قادرون على تبديد الظلام.
المبادرة نموذج للكثير من المساهمات التي يمكن أن يقدمها القادرون على تخفيف وطأة الحرب والحصار والضائقة عن البلاد والعباد..وهو دور وواجب بديهي وليس استثنائي في ثقافتنا وتقاليدنا .. لكنه بات استثنائياً اليوم في ظل إحجام كثيرين عن تقديم مساهمات لاتشكل أعباء عليهم، لكنها تترك أثراً لن ينساه من هم بحاجة أو ضيق حال.
هو ذاته مفهوم المسؤولية الاجتماعية الذي طالما كان عنواناً للكثير من الجدل، لكن المبادرات الحقيقية كانت خجولة وليست على قياس الاستحقاقات الصعبة التي رتبتها الأزمة.
ونظن أن أقل الواجب ألا يتعمد “المليؤون مادياً” استفزاز المأزومين باستعراض مظاهر إنفاق ترفي وبازخ، فيكونوا كمن يرقص ويحتفي بمآتم الآخرين.
لانعتقد أن ثمة قانون يردع الاستعراض المستفز، أو يلزم بتقديم مساهمات على سبيل التكافل الاجتماعي..إلا القانون الأخلاقي، لكن يمكن أن نستثمر عامل العدوى أو خاصية حب التقليد، عبر إظهار وتسويق المبادرات الطيبة كي يخجل من لم يبادر..رغم أن التعويل على الخجل لم يعد ذا فعالية مضمونة.
نهى علي