الثورة – عبد الحميد غانم:
لا يفاجئنا النفاق الأمريكي والغربي في الادعاء الكاذب والمضلل بالحرص على مصلحة الشعوب وقضاياها الإنسانية، فالتاريخ المعاصر مزدحم بالأحداث المأساوية التي تكبدتها الإنسانية نتيجة للسياسات والممارسات الرعناء لأميركا والغرب الاستعماري في العصر الراهن والعصور التي سبقته.
المفارقة الفاضحة أن تلك الأنظمة عدوانية المنهج والسياسة لا تتوانى عن ضخ الحجج الكاذبة والملفقة لتبرر سياساتها التي تمارسها تحت شعارات حق يراد بها باطل، مثل الحقوق والحريات الإنسانية والديمقراطيات، وتصور دولها وأنظمتها بأنها مصدر تلك الشعارات وتريد نسخها وسحبها إلى الدول الأخرى.
والغريب في الأمر، أن أميركا ودول الغرب الأخرى التي تمارس الاحتلال والعدوان على دول ذات سيادة تدعي الحرص على مصلحة شعوبها وفي ذات الوقت تكون سبباً رئيساً في معاناتها التي وصلت إليها نتيجة سياسات العدوان والحصار التي تمارسها على تلك الشعوب.
ففي الوقت الذي نرى فيه السعي المحموم للولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لتمديد آلية إيصال المساعدات من خلال ادعائهم الحرص الإنساني على الشعب السوري، تواصل قوات الاحتلال الأمريكي والميليشيا المرتبطة بها نهب لثروات سورية من نفط وقمح ما يتسبب بتفاقم معاناة الشعب السوري.
على الرغم من أن آلية إيصال المساعدات عبر الحدود تحيط بها الكثير من العيوب والمخالفات، ويعكس انتقائية فاضحة وتمييزاً واضحاً بين السوريين الذين يستحقون الحصول على هذه المساعدات، إلى جانب تحديات الإرهاب والوجود العسكري الأجنبي غير الشرعي على الأراضي السورية، وتصاعد الاعتداءات الإسرائيلية واستمرار الإجراءات القسرية بحقها من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي.
وفي مجلس الأمن والأمم المتحدة نستغرب تجاهل البعض غير المقبول لذلك، وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية تصعيد سياسات العدوان والاحتلال من خلال تخصيّص 798 مليار دولار لإنفاقها الحربي على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية والتضخم المالي الكبير في الولايات المتحدة، فلم يدفع الحكومة الأميركية لاجتراح حلول للتخفيف من هذه الأزمات، وبدلاً من ذلك أعلنت الولايات المتحدة أنها خصصت مبلغ 798 مليار دولار للإنفاق الحربي في عام 2023، أي بزيادة قدرها نحو 10% عن العام السابق.
ومن المستغرب الإصرار المتعمد من قبل البعض في الأمم المتحدة بما في ذلك في مجلس الأمن لإخفاء الآثار السلبية للإجراءات القسرية غير الشرعية التي تفرضها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على الشعب السوري، و أن أي ادعاءات عن عدم استهدافها لجميع جوانب معيشة السوريين أمر يدحضه واقع حال معاناة السوريين، وأن أي تبريرات عن استثناءات لأغراض إنسانية لا وجود لها هي مجرد كذب مفضوح.
كما أن مواصلة النظام التركي احتلاله لأجزاء من الأرض السورية، واستمراره وأدواته من التنظيمات الإرهابية بمواصلة قطع المياه عن السوريين، واستخدامه كسلاح حرب ضد المدنيين يستحق الإدانة والشجب باعتبار أن حرمان المواطنين من المياه جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، إذ إنه يؤثر بشكل خانق على حياة أكثر من مليون مواطن في محافظة الحسكة وما حولها، وعلى قدرتهم على الوصول إلى المياه النظيفة ما يفاقم من تفشي الأمراض بما فيها الكوليرا، وعلى الوصول إلى مياه الري الأمر الذي يخلق أزمة أمن غذائي للسوريين.
فضلاً عن أن التمويل المنخفض لخطة الاستجابة الإنسانية لسورية جراء عدم تنفيذ بعض الدول الغربية للالتزامات التي قطعتها يحد من فعالية جهود تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية، ويعوق تنفيذ مشروعات التعافي المبكر الأمر الذي يخلف آثاراً كارثية على الحياة اليومية للسوريين، ويحول دون حصولهم على الخدمات الأساسية.
لم يعد مقبولاً استمرار الاحتلالين الأميركي والتركي والمجموعات المسلحة والإرهابية والانفصالية المرتبطة بهما على الأرض الجزيرة السورية، ولاحتى الاحتلال الإسرائيلي للجولان، ما يتطلب من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة الإسراع بإنهاء كل أشكال الاحتلال على الأرض السورية، ووقف الانتهاكات المتكررة كلها لسيادة سورية، وبالرفع الفوري وغير المشروط للإجراءات القسرية.
وإن حل الأزمة الإنسانية في سورية ممكن فقط حين يتحرك مجلس الأمن فوراً لمكافحة الإرهاب، ولوقف الانتهاكات المتكررة لسيادة سورية، ويطالب بالرفع الفوري وغير المشروط للإجراءات القسرية، ويدعو المانحين إلى تنفيذ التزاماتهم التي قطعوها حيال خطة الاستجابة الإنسانية، ويحث على زيادة مشاريع التعافي المبكر والتوسع فيها كماً ونوعاً، ويضمن توزيع المساعدات الإنسانية الإغاثية بشكل عادل ودون تمييز، ويعالج خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة والعبوات الناسفة التي تشكل تهديداً حقيقياً لحياة السوريين.
وضرورة أن يقرر السوريون وحدهم مصيرهم ومستقبل بلادهم دون أي تدخل خارجي، إلى جانب ضرورة وقف انتهاك سيادة سورية، والرفع الفوري للإجراءات القسرية الأحادية غير الشرعية وغير الإنسانية.
وعلى مجلس الأمن أن يأخذ أيضاً بعين الاهتمام الجهود الكبيرة التي بذلتها سورية في مكافحة الإرهاب، وتم من خلالها تحرير مساحات واسعة من الأراضي من سيطرة المجموعات الإرهابية وإعادتها إلى كنف الدولة، كما قامت بموازاة ذلك باتباع مسار التسويات المحلية والمصالحات الوطنية كطريق لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، إلى جانب إصدار العديد من مراسيم العفو، حيث ساهمت كل تلك الإجراءات بعودة الكثير من السوريين إلى بيوتهم وحياتهم الطبيعية، وعززت الوحدة الوطنية وحققت الاستقرار على نحو مستدام.