الثورة – رشا سلوم:
زنجي سفينة النارسيوس رواية صدرت حديثاً عن دار التكوين بدمشق وهي من تأليف.. جوزيف كونراد.. ترجمها إلى العربية.. توفيق الأسدي.
تستكشف الرواية تضامن البحارة التجاريين على السفينة “نارسيسوس”، وكيف يهدد هذا التضامن “ويت” وهو متمارض يعاني من سلّ في مراحله الأخيرة، و”دونكين” وهو مهرج كسول، متلاعب وشرس. إنها أول رواية سياسية صريحة لكونراد، وهو يشرّح فيها علاقات السلطة المتحولة على متن السفينة؛ ولكنه يستكشف أيضاً العلاقة بين الإنسان والعالم الطبيعي:
«إلى الأمام راح المراقب يقف منتصباً بين فراشتي المرساتين، وهو يهمهم لحناً لا نهاية له، مبقياً عينيه، كما يملي عليه الواجب، مثبتتين نحو الأمام في تحديقة فارغة. راحت نجوم كثيرة برزت من الليل الصافي تملأ فراغ السماء. كانت تلتمع كأنها حية فوق امتداد البحر؛ وأحاطت بالسفينة من كل جانب، أكثر حدة من عيون جمهرة محملقة وغامضة كأرواح البشر».
محطات
أما المؤلف جوزيف كونراد فهو أديب إنجليزي بولندي الأصل ولد في ما يعرف بأوكرانيا البولندية عام 1857 لوالد أديب مغمور انتقل مع والده إلى بولندا حيث توفى والده ومنها انتقل إلى فرنسا عام 1874 حيث عمل بالملاحة ثم انتقل إلى إنجلترا واستمر في عمله بالبحر. توفي عام 1924 بنوبة قلبية وترك 13 رواية و28 قصة قصيرة. أغلب رواياته لها علاقة بالبحر ويرويها بحار عجوز اسمه مارلو من رواياته «قلب الظلام» «العميل السري» و«النصر» و«تحت عيون غربية» و«لورد جيم».
انتقلت عائلة كونراد كثيراً بسبب محاولات والده في العمل في الزراعة وبسبب نشاطه السياسي. في عام 1861 ذهبت العائلة للسكن في وارسو حيث انضم أبولو المقاومة ضد الإمبراطورية الروسية. أدى هذا إلى سجنه في معقل وارسو. في 9 أيار 1862 تم نفي أبولو وعائلته إلى فولوغدا والتي تقع شمال موسكو بمسافة 500 كيلومتر وقد كانت هذه المدينة معروفة بطقسها السيئ. تم تخفيف عقوبة أبولو في يناير 1836 وتم إرسال العائلة إلى تشرنيغوف حيث كانت الأوضاع أفضل بكثير. على أي حال، توفيت أيوا والدة كونراد بسبب السل.
بذل أبولو كل ما بوسعه لتدريس كونراد في المنزل. تعرف من خلال الكتب التي قرأها في البداية على عنصران سيؤثران في حياته لاحقاً. أولها رواية عمال البحر للكاتب فكتور هوغو والتي تعرف فيها على عدد من الأعمال التي سوف يعمل بها لاحقاً. أما الشخص الثاني الذي أثر به فقد كان شكسبير والذي تعرف من خلاله على الأدب الإنجليزي. ولكن كان أكثر ما يقرأه هو الشعر البولندي الرومانسي.
في 1867، أخذ أبولو ابنه إلى الجانب الأسترالي من بولندا والذي كان يخضع لحكم ذاتي منذ عامين كما يتمتع بقدر من الُحرية. بعد مكوثهم لفترة قصيرة في لفيف وقرى صغيرة أخرى، انتقلوا إلى كراكوف (عاصمة بولندا حتى 1596) في تاريخ 20 فبراير 1869. وبعد مرور عدة شهور تُوفي أبولو كورزينيويسكي بتاريخ 23 مايو 1869 وقد كان السل هو سبب الوفاة مثل زوجته ما جعل كونراد يتيماً في سن الحادية عشر.
أصبح بعدها كونراد الابن تحت رعاية خاله «تادو بروفسكي». سببت حالة كونراد الصحية وأداؤه المدرسي الضعيف العديد من المشاكل المتواصلة لخاله كما أن مصروفه المالي كان كبيراً. لم يتميز كونراد إلا في مادة الجغرافيا أما في باقي المواد فقد كان ضعيفاً على الرغم من التعليم الجيد الذي حظي به.
غادر كونراد بولندا في عام 1874 واتجه إلى مارسيليا، فرنسا ليبدأ مستقبله كتاجر بحري على متن سفن فرنسية. قضى كونراد عدداً من السنوات في شمال جزيرة كورسيكا وبالتحديد في قرية لوري. كان يوجد هناك بحار كورسيكي اسمه دومينيك سيرفوني وقد كان صديقاً لكونراد وبالتالي ألهم الكاتب لعدد من الشخصيات التي قام باختراعها، مثل شخصية نوسترومو في الرواية التي كتبها عام 1904. زار كونراد جزيرة كورسيكا مع زوجته عام 1921 لكي يبحث عن أقارب صديقه المتوفى وباقي أصدقائه البحارة.
صورة روجر كايسمنت الذي التقاه كونراد في الكونجو
روجر كايسمنت الذي التقاه كونراد في الكونجو
بعد أربع سنوات في فرنسا وعلى متن السفن الفرنسية، انضم كونراد للتجارة البحرية البريطانية لمدة خمسة عشرة عاماً. عمل ضمن طاقم العديد من السفن وتدرج في الوظائف من متدرب وحتى وصل إلى رتبة قبطان. منذ مغادرة كونراد مدينة كراكوف في أكتوبر 1874 مرت 19 سنة حتى قدم استقالته من سفينة Adowa في 1894 عمل كونراد على سفن عديدة كما قضى وقتاً طويلاً في الموانئ، حيث قضى 10 سنوات وثمانية شهور فيها. قضى في البحر لمدة ثماني سنوات فقط وكان من ضمنها 9 شهور كمسافر
أغلب قصص وروايات كونراد والعديد من الشخصيات كانت مستوحاة من عمله في البحر ومن أشخاص قابلهم أو سمع عنهم. عادة ما كان يستخدم كونراد الأسماء الحقيقية للأشخاص الذين يبني عليهم الشخصيات الخيالية. على سبيل المثال، قابل كونراد التاجر التاريخي ويليام تشارلز أولماير أربع مرات في زيارات قصيرة إلى جزيرة
بورنيو.
ومن شخصيته استوحى كونراد شخصية «آلماير» في روايته الأولى (حماقة آلماير). من ضمن الأسماء الحقيقية الأخرى كان القبطان مكوير (في رواية إعصار)، القبطان بيرد والسيد ماهون (الشباب)، السيد لينجارد (حماقة آلماير وغيرها)، وكابتن آيلاي (ظل الخط). كذلك (نارسيوسوس) وهو اسم سفينة حقيقية أبحر على متنها في عام 1884 وقد ذكرها كونراد في روايته (زنجي نارسيسوس).
عمل كونراد لمدة ثلاثة أعوام لدى شركة تجارية بلغارية وقد أصبح خلالها قبطاناً لسفينة بخارية على نهر الكونجو. وقد ألهمت هذه المرحلة كونراد في كتابة روايته القصيرة (قلب الظلام). خلال هذه الفترة وبالتحديد في عام 1890 في الكونجو. تعرف كونراد على العامل في مجال حقوق الإنسان السير روجر كايسمنت وصادقه.