ذاكرة..ظـــــــلال الكـــــــلام.. أصالــــــة الإبــــــداع

الملحق الثقافي:

تشريح القصيدة من أجل إبراز جمالياتها كذبح بلبل جميل من أجل لحمه..؟ ربما هو قول نقدي سوفييتي، ولكن ماذا نفعل إذا شرح الشاعر قصيدته وباح بأسرارها وأعاد تركيب جمالياتها كاملة متكاملة..
الشاعر فايز خضور حين كان ضيف ندوة كاتب وموقف التي أعدها وقدمها الأستاذ الاعلامي: عبد الرحمن الحلبي، وحين سألناه: لماذا لم تستضف نقاداً للحديث عن تجربة الشاعر..؟ ردّ قائلاً: لم يعطه النقد حقه، وهو شاعر بعيد الغور ولما يسبر إبداعه بعد.. ولا أحد أفضل منه في قراءة وتحليل تجربته الإبداعية.. صمت لأن شاعرنا فايز خضور دخل هاشاً باشاً موزعاً حضوره الجميل على الجميع..
ترى هل ما قاله الحلبي يوازي الحقيقة أم إنه يمتح منها أنه بين بين.. الإجابة عن هذا التساؤل مفتوحة بعدد قراء فايز خضور.. ولكن وحسب ظني أن النقد لم يسبر أغوار شعراء كثيرين غير فايز خضور ولو أن لدينا نقداً حقيقياً منبعثاً من إبداعنا العربي لما رأينا هذا الهراء الذي يسمى شعراً في هذه الأيام ومن المفارقات الجميلة أن المنبر الذي اعتلاه فايز خضور ومن قبله شعراء متميزون هو ذاته يعتليه شعراء أو شويعرون وشويعرات لا طعم ولا لون لإبداعهم بل إنه الحس والعلاقات والمافيات والتطبيل والتزمير وعلاقات متبادلة إذا ما تصفحنا كتاب (ظلال الكلام) مختارات نثرية ما بين 1965/2001 الصادر عن وزارة الثقافة السورية عام 2003م وهو من تأليف فايز خضور فإننا سوف نجد الإجابة عن ما قاله الحلبي، فخضور هو الناقد والشاعر وما قدمه من مقالات وافتتاحيات في الدوريات الثقافية يؤكد صحة ذلك فهو الناقد الذي يعرف أين الداء وما الدواء.. يوصف الحالة ويبدأ بالعلاج وربما كان من المناسب أن نختار من هذا الفيض النقدي بعضاً مما قاله ففي الصفحة 127 وتحت عنوان: (نقاط وفواصل و5) يتحدث عن النقد المنبثق من الإبداع العربي.

نقدنا من إبداعنا..

ومما قاله خضور في ذلك المقال: بالرغم مما يجري، فإننا مطالبون بإيضاح نقطة أساسية لا نقبل فيها الجدل أو المحاكمة وهي أن نظرية النقد الأدبي العربي يجب أن تنبثق من النص العربي.
هذا الكلام موجه إلى النقاد (العرب) والشعراء العرب كي يكفوا عن وضع طرابيش لرؤوس لم توجد بعد وهي الحال التي تلتبسهم جراء الانضواء المطلق للمثاقفة ووهم (الفرنجة) فعندما كتب فاليري أو سوزان برنار أو كوهن أو اليوت.. فإنهم استخرجوا قواعدهم النقدية من النصوص الفرنسية والإنكليزية وليس من العربية بكل تأكيد، وذلك هو المنطق السليم للنقد، ولهذا تراهم يعتبرون الشاعر الفرنسي (جاك بريفن) مثلاً من أكبر شعراء القرن العشرين وهو لم يتجاوز اليوميات العادية للحياة وبلغة أقرب ما تكون إلى اللهجات المحكية عندنا وعندهم ولم يتهموه بالمباشرة أو السطحية أو السذاجة لكونهم يقدرون عظمة الشاعرية في معالجة ما نسميه نحن البديهيات ويعرفون صعوبتها الكامنة في بساطتها حين يلزم الأمر.
ويضيف قائلاً: لقد اضطررت إلى هذه المقدمة كي أعود إلى مفهوم المباشرة اللازمة والضرورية حسب مقتضى سياق الأفكار المعالجة في النص الشعري.
فالمباشرة ليست تهمة كما يتوهم مغرضهم وليست نقيصة كما يزعم كاملهم ولا مبرر فنياً أو أخلاقياً للافتراء الذي يدلل على عدم استيعاب المناخ العام للنص ومن ثم يؤكد على قصور في فهم جدوى الكتابة ونزوحها من جنينية الكلام إلى إشراقة النص، فمرة رد الناقد حنا عبود على مزاعم المتهافتين في الكلام بتساؤل مفاده: وهل يوجد شعر في العالم غير مباشر..؟!
وقتها فهمت من تساؤله المعرفي أنه يعني عملية (الخلق الشعري) بالذات أي إن الفكرة مهما كانت عظيمة مادامت مضمرة لا تعني شيئاً، فمعناها كان في تجليها وقيمتها رهن بلبوس ظهورها وبمعنى أدق تكتسب حيويتها بعد ولادتها وخروجها من ظلام الأعماق إلى وضوح الحياة، فيها تتقدم الحواس الخمس لتأخذ مجدها وسلطانها في التناول والأخذ والرد والهندسة.
فالغموض المبهم جنين فاقد الجدوى، وقد يكون ميتاً وقد يكون الحمل بحد ذاته (حبلاً وهمياً) كما أن السذاجة والسطحية لا علاقة لهما بالمباشرة الواضحة وكل له شأن مختلف كما هي الحال لدى الولادة القيصرية الخديجة.
والأمر الوحيد فيما سبق هو القدرة المتألقة في إيصال الخطاب ذلك الأمر الذي يفرق ما بين الشعوذة في تزيين وتسويق (الغموض والإبهام) وما بين الوضوح الناصع والمنطقية المحتشمة بعيداً عن التناسخ والاستنساخ إنها مسألة (الخيال) حسب مدى مضماراته و(التخيل) المفتعل في وعورة عوائقه ومجانية افتراقه.

الإبداع أكبر من الجوائز

وحين يسأل الشاعر عن الجوائز يقول: أرفض الدخول إلى أي بلد عربي يرفرف فيه العلم الإسرائيلي والدعوات موجودة في درج مكتبي كما تعلم، وفيما يخص الجوائز وأسميها (الحوافز) بأنها تعطى للعمال والشغيلة لأن الإبداع الأصيل والحقيقي أكبر من الجوائز ومانحيها ومن في حكمهم إلا إذا كانت تقديراً وتكريماً تلقائياً لمجمل نتاج المبدع وطنه أولاً.. بينما جوائز المسابقات والترشيحات ولجان التحكيم والرشوة فهي خاصة بالشعراء الناشئين فنياً حتى ولو تجاوز عمرهم الستين عاماً وجميعها في المحصلة تصب في بركة المانح وتعزز الولاء له وترفع من شأنه شخصياً، وأما فيما يخص المتقدم لنيل الجائزة فإنها تخدعه وتحذره بقيمتها المادية كمقايضة لوجدانه ووجوده وترسخ عدم ثقته بنفسه..

كلام إنشائي..

وفي حوار أجراه معه أكرم قطريب ونشر في السفير بتاريخ 23/4/1997 يسأله قائلاً: مرة سئل الشاعر محمود درويش عن الشعر فأجاب: لو عرفته لكتبته كله واسترحت.. مارأيك؟!
ويجيب خضور قائلاً: هذا كلام إنشائي مختل التوازن يؤكد على نرجسية رومانسية مرضية تذكرك باللورد بايرون الإنكليزي المشهور عندما قال: لو كان لنساء العالم ثغر واحد إذاً لقبلته واسترحت..) كما لو أنه (الفحل) الوحيد المسؤول عن نساء العالم.
وهنا نقول:
لماذا يقع الأستاذ محمود في هذا الوهم كما لو كان وحيداً في خضم أوقيانوس الحداثة الشعرية؟! إضافة إلى سقوطه في معارضة مفتعلة مع من سبقه من نهجه اليساري الشيوعي بالذات ألا وهو التركي ناظم حكمت وقت قال متفائلاً بما معناه:
إن القصائد العظيمة هي التي لم نكتبها بعد والنساء الأجمل من لم نعرفهن بعد، فالأفضل إذاً في هذه الحالة أن يبقى الأستاذ محمود حاملاً لجنسيته الإسرائيلية ومقيماً في فيلا اشتراها في الأردن جبل عمان بعد أن انتقل مؤقتاً من باريس ليشرف عن كثب على تحرير الأرض المحتلة ومن الأفضل له ألا يعرف ماهو الشعر.. رحمة وعوناً بالأجيال القادمة.

العدد 1127 – 10-1-2023

آخر الأخبار
فضاءات للراحة تحولت لكابوس حديقة الطلائع في طرطوس.. من أكلها الإهمال أم الفساد ؟ "المخطط الفينيقي" منافساً في كان سينما المرأة ألين جوفروا نصري.. تحضر الزمن ببراعة وعفوية "الصواعق" رقم واحد في الصالات "أزمة قلبية" و"إنعاش" يحصدان الجوائز "كما يليق بك" في "الدشيرة" معسكرات تدريبية مجانية للنشر العلمي الخارجي بجامعة دمشق "كايزن".. نحو تحسين مستمر في بيئة العمل السورية نحو اقتصاد سوري جديد.. رؤية عملية للنهوض من بوابة الانفتاح والاستثمار بناء اقتصاد قوي يتطلب جهداً جم... اليابان تدرس.. ونائب أمريكي: يجب تعزيز التحالف مع سوريا استطلاع (الثورة) للشارع السوري في فرنسا حول رفع العقوبات مسابقة الخطلاء للشعر النبطي تخصص لسورية صيدلية مناوبة واحدة في مدينة طرطوس والنقابة توضح حذف الأصفار من العملة.. ضرورة أم مخاطرة؟! تأخر في استلام أسطوانة الغاز بدرعا مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية نقل مواقف الباصات لجسر الوزان .. بين الحل المروري والعبء الاقتصادي مرسوم رئاسي بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين قوافل حجاج بيت الله الحرام تبدأ الانطلاق من مطار دمشق الدولي إلى جدة