الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
يختلف النقّاد ومعهم الأدباء على تحديد هويّة النّص الأدبي الذي يكتبه هذا الأديب أو ذاك، سواء أكان شعراّ أم قصة ام خاطرة أم رواية أم مسرحاً أم …..
حيث تتماهى الخطوط الفاصلة فيما بينها لدرجة يصعب معها التمييز بين الشعر والنثر..بين الروايية والمسرح و….!؟
وهذا ما اصطلح على تسميته تداخل الأجناس الأدبية، وهي قضيّة إشكاليّة ليست وليدة عصرنا !؟ إنّما هي وليدة عصور قديمة شكلت الميثولوجيا اليونانية ملاحمها وأساطيرها كالإلياذة والأديسة و…مؤشرات واضحة أو يمكن ان نسميها إرهاصات أولية لما نحن بصدده …
إنّ الشكل التقليدي للجنس الأدبي لم يعد أحادياً أو واقعياً في ظل التطور الهائل في اللغة شكلاً ومضموناً، إذ لا يمكن لأي مبدع مهما كان حاذقاً ومتخصصاً أن يفصل بين هذا الجنس الأدبي أوذاك، فالنص بات قابلاً لاحتواء العديد من الأجناس الأدبية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الوقوف عند عتباته والاكتفاء بالتصنيفات التقليدية المتعارف عليها في نظرية الأجناس الأدبية، فالتداخل فيما بينها تفرضه بنية النص الأدبي، والخطوط المشتركة وصولاً إلى المدى المفتوح، فالقصيدة تخلت عن شكلها التقليدي من قافية ووزن و..ليعرش على نوافذها القص والصورة الشعرية التي قفزت بطريقة مبتكرة إلى الواجهة، بمعنى آخر دخلت القصة في القصيدة، والمسرح في الرواية، والقصيدة في المسرح…فتحوّلت القصيدة إلى حوار مسرحي وشخصيات نابضة بالحياة، وهذا ما لمسناه في مسرحيات أحمد شوقي الشعرية، وكذلك المسرح الغنائي كما هو الحال عند الرحابنة وفيروز و…
يرى البعض أن هذا التداخل هو تمرّد على المألوف، والقصيدة التقليدية، والقوالب المتعارف عليها في الشعر والقصة والرواية و…بل هو إعادة إنتاج نص أدبي يجمع بين كل الأجناس، وهذا المولود الجديد هو في طور الاعتراف والبحث عن هوية تعطيه شرعيته الحقيقية.
حتى الآن لا يوجد إجماع حول هذه القضية والتي يراها البعض نسفاً لما هو مألوف، فالقصيدة لا تكون شعراً عندما تبتعد عن الوزن والقافية، وعندما لا يتحقق ذلك فهي تندرج ضمن النثر والكتابات النثرية مثل الخاطرة والقصة القصيرة جداً أو المقطوعة والومضة و…
اليوم لا يستطيع أأي كاتب أو أديب ـن يدّعي أنه يكتب جنساً أدبيّاً بعينه، لأن التسميات المعروفة تجاوزتها اللغة التي تتطور باستمرار مع تطور المجتمع والحياة، لذلك نجد الكثير من الأجناس الأدبية تتداخل فيما بينها وهذا أدى لظهور أجناس أدبية جديدة مثل: أدب المذكرات والرحلات والسيرة الذاتية و…وقديماً فن المقامات والرسائل و…
إذاً الأجناس الأدبية تتبدل وتتغير وتتطور، وهي سمة طبيعية لماهية الإبداع، تتداخل وتبدو معها الحدود أو الخطوط الفاصلة خطوطاً وهميّة، إنما من خلال اللغة والصورة والكلمة المنتقاة بدقّة وحرفيّة عالية.
إنّ الدّارس والمتتبع لنظرية الأدب قديماً وحديثاً يلحظ الترابط والتواشج بين الجنس الأدبي والأسلوب، وهذا يبدو جلياً في القصة والرواية و….وأي تطور يجب أن يرافقه صياغة لغوية تقدّم للقارئ والمتلقي نصّاً تمتزج فيه الإثارة والجمال، واعتماد الصورة والإيحاء والإدهاش بعيداً عن الكم ّ والذي يبدو أحياناً مجرّد حشو لا طائل منه.
كثيراً ما نلحظ الكثير من الشعراء المتزمّتين للقصيدة العموديّة، لا يعترفون أو يقيمون وزناً لقصيدة النثر ولا يصنفونها ضمن الشعر!؟
وكذلك كتاب القصة لا يرون في القصة القصيرة جداً إلا خواطر ذاتية، أو ومضات سريعة لا تشبه القصة أبداً !؟
من هنا نجد أنّ تداخل الأجناس الأدبيّة هو نتيجة طبيعية وحتميّة للتطور والتجريب والإبداع، وأعتقد أنّه لا يُعيب ولا يقلّل من شأن أيّ أديب ومنجزه الإبداعي.
ولعل السجالات التي جرت ويمكن ان تحدث، واختلاف الرؤى ووجهات النظر حول ظاهرة تداخل الأجناس الأدبية لا يمكن أن تحسم نهائياً ما دام الأدب يتغيّر ويتطّور شكلاً ومضموناً، سواء في اللغة أم بنية النص، وذلك حسب الواقع ومحاكاته للعصر الزمني الذي ولد فيه.
العدد 1127 – 10-1-2023