الثورة:
الثقافة مستقبل العالم, لا السياسة ولا الاقتصاد هما ذلك إذا لم يكونا متشربين بروح الثقافة، والثقافة هنا بمعناها القيمي والاجتماعي والأخلاقي, حول ذلك يدور كتاب
(الثقافة تنقذ العالم)، تأليف: سهيل فرح وفؤاد ماميدوف، ترجمة: د. محمد قاجو.
يتناول الكتاب الثقافة بوصفها نظاماً اجتماعياً متكاملاً قائماً على العادات والتقاليد المجتمعية، وكونها ظاهرة أساسية تميّز الإنسان من سواه من كائنات الطبيعة وترسم المسار من الفوضى إلى النظام، الذي يُفضي إلى الحفاظ على حياة الإنسان وتحسينها منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا. كما يتطرق إلى أشكالها المختلفة مثل ثقافة الفرد، وثقافة الأسرة، وثقافة الإدارة، وما إلى ذلك. يستعرض الكتاب أيضاً أهمية الحوار بين الثقافات في سياق صراع الحضارات.
ويقع الكتاب في ثلاثة أبواب تحتوي 89 بحثاً تتناول كيف أن الثقافة باتت “ضرورة ملحة” لأن النظام السياسي المستقر، والتنمية الاقتصادية الآمنة، وزيادة الرخاء، يعود إلى حد كبير إلى الحفاظ على نظام القيم الثقافية ونشره.
ويقول المؤلفان – في مقدمة الكتاب المترجمة إلى العربية والتي حصلت النشرة الثقافية لوكالة أنباء الشرق الأوسط على نسخة منها -أن عنوان الكتاب “الثقافة تنقذ العالم”: “لم يتم اختياره صدفة لأن الثقافة هي ظاهرة اجتماعية أساسية تميز الإنسان عن الحيوان، وترسم الطريق من الفوضى إلى النظام، وتساهم في الحفاظ على حياة الإنسان وتحسينها منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا”.
ولابد من الإشارة إلى أن الكتاب قد صدر باللغة الروسية قبل العربية, وكانت دار الهلال المصرية قدد توقفت عند محتوى هذا الكتاب قبل أن تصدر ترجمته العربية عن الهيئة العامة السورية للكتاب, ومما جاء في القراءة الموسعة حول الكتاب:
ويتحدث المؤلفان في هذا الكتاب عن أزمة الحضارة التي اجتاحت كوكب الأرض، والتي نتجت إلى حد كبير عن عبء الأنانية المفرطة والجهل، والتي كشفت الحاجة الموضوعية للتنفيذ العاجل للتحولات الاجتماعية الدولية التقدمية من أجل إنقاذ الثقافة من العمليات المدمرة للحضارة التكنولوجية يجب أن تنقذ هذه الإصلاحات العالم من خطر الدمار الوشيك، وتفتح الطريق أمام تشكيل حضارة جديدة إنسانية.
ويتناول الكتاب تدهور الثقافة “الروحية العالية”، التي نتجت عن جهل البعض وحب الذات الفائق للآخرين، وصراع الثقافات والمصالح، التي تحدث على خلفية اضطراب المسارات العالمية، وتغير المناخ والأمراض، وهو ما جعل العالم هشاً للغاية، فيما يؤكد أن خلاص الإنسان والعالم بأسره يعد في ثقافة روحية عالية تعزز حراك المجتمع وتضامن الناس في حل المشكلات الوطنية والدولية، كما تعزز روح التفاهم الاجتماعي والمصالح المشتركة والهوية الثقافية لجميع طبقات المجتمع.
ويرى المؤلفان أن الإعمار والدمار، والتغلب على الشر وتحفيز الخير يعتمد على ثقافة المجتمع ومنظومة القيم والمفاهيم العالمية والتربية والأفكار والمعلومات الموضوعية وشخصية الفرد، لأن الثقافة تترك بصماتها على نوعية حياة الناس وتطورهم ورفاههم، فمع نمو الثقافة الروحية، تزداد فرص تحسين الطبيعة الفطرية للإنسان على مستوى الفرد والبشرية جمعاء.
ويلفت الكتاب إلى أن العالم يحكمه العقل والأخلاق والحكمة الإنسانية، التي تبين الطرق والحلول والتقنيات الصحيحة الكفيلة بتحسين نوعية الحياة البشرية وتلبية المصلحة العامة وأن التغييرات الديناميكية في المجتمع ترجع إلى التطور السريع للثقافة الفكرية، معتبراً أن الاكتشافات والتطورات الجديدة في العلوم تغير الحياة الاجتماعية والأفكار والقواعد البشرية، تخلق مفاهيم جديدة في شخصية الفرد وتزيد بشكل كبير من فرص التنمية الجديدة.
ويوضح أن الأشخاص المثقفين هم المورد الرئيسي للثقافة الروحية العالية للمجتمع والإنسانية. ولذلك يصبح “إنتاج” و “إعادة إنتاج” الأشخاص ذوي الثقافة العالية في جميع أنحاء العالم مهمة دولية ملحة، مشدداً على أن النظام السياسي المستقر، والتنمية المالية والاقتصادية الآمنة، وزيادة الرخاء، يعود إلى حد كبير إلى الحفاظ على نظام القيم الثقافية ونشره، فالناس المثقفون يتميزون بسمات الفضيلة، والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، والمعرفة العلمية، والعمل الواعي والابتكار، والهوية الثقافية الدولية والتعاون من أجل الحفاظ على الإنسانية.
ويصف الكتاب، الثقافة بأنها روح وأكسجين الحياة البشرية لأنها تحتوي كل من النشاط العلمي الذي يؤدي إلى تحولات في الحياة، وفي أنظمة التعليم والتنوير والتنشئة والأعمال الفنية البارزة، والقيم الأخلاقية، تلك التي يتوجب أن تكمن وراء المفاهيم الأيديولوجية والنظرة الاستراتيجية للنظام العالمي.
ويتوقف الكتاب أمام “الثقافة” بأنها الاستراتيجية السياسية والأنظمة الإدارية للدولة التي تضمن التنمية الاجتماعية وبناء المجتمع والدولة بهدف المستقبل الأفضل، وإلى تعميم الأعراف الأخلاقية والقانونية التي تنظم العلاقات الإنسانية والاجتماعية والدولية، وإنتاج التقنيات الاقتصادية، ما يضمن زيادة رفاهية المجتمع، والأنشطة الطبية، التي تهدف إلى الحفاظ على صحة وإطالة عمر الإنسان. علاوة على ذلك، فإن كل مجال من مجالات الثقافة، كنظام اجتماعي متكامل لحياة الإنسان ونشاطه، له “ثقافة إنتاج” خاصة به، تعكس ثقافة العمل ومستوى التطور وجودة المنتج في هذا المجال.
كما يتوقف الكتاب كذلك أمام الثقافة كمنظومة اجتماعية وليست فقط نشاطاً إبداعياً يهدف إلى معرفة وتطوير الإنسان والطبيعة المحيطة به والمجتمع، ليس فقط في مجالات القيم والمعايير الفكرية والأخلاقية والمادية، ولكن أيضًا في تقنيات إنتاجها واستهلاكها وتخزينها ونقلها، شارحاً أن الثقافة هي المعرفة والخير والتنمية والازدهار، أما الجهل والأنانية والنرجسية فإنهم شر وفقر وهدم وهشاشة. الثقافة يجب أن تتموضع في خدمة التنمية البشرية والسعادة، وتضمن الحياة الكريمة للناس.
ويضع المؤلفان روشتة للطريقة الفعالة لتكوين الناس المثقفين وتنميتهم، هي إدخال التعليم الثقافي الإضافي، على مستوى الدولة والقطاع الخاص، للمعلمين وموظفي القطاع العام والسياسيين والصحفيين وغيرهم من المتخصصين، والتعليم الثقافي للأسر والأطفال والشباب والجيل الأكبر سنًا، فضلاً عن تطوير المهارات في ميدان التعليم والإدارة.
ويستشهد الكتاب ببعض المشاريع الممكنة لتنفيذ هذا المفهوم ومنها إمكانية إنشاء ما يسمّى الجامعة الدولية للدراسات الثقافية؛ ووضع خطة عشرية وطنية للتطوير الثقافي؛ وشرعنة المنظومة القانونية لتطوير التربية الثقافية العامة والخاصة في المدارس على جميع المستويات؛ وإدخال مادة “تاريخ ونظرية الثقافة” -علم الثقافة-، “حوار وشراكة الحضارات والثقافات والدول والأديان” في مناهج جميع الجامعات، وكذلك إجراء اختبارات حول تاريخ ونظرية الثقافة في برنامج امتحانات القبول.
ويخلص الكتاب إلى أنه يمكن أن يكون استخدام الطاقات المبتكرة للدراسات الثقافية مفيدًا أيضًا في تحسين تقنيات حوار الثقافات والحضارات، وهو أحد الأشكال المعترف بها للحوكمة الدولية، التي تتم تحت قيادة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو. حيث يساعد النهج الثقافي المنهجي لرؤية الثقافة كنظام اجتماعي متكامل ومترابط على التمكن من أجل تكوين رؤية بانورامية تاريخية للحياة البشرية ويسلط الضوء على نقاط القوة والضعف وعلى الإنجازات والميزات والأنماط والتقنيات، وكذلك يفتح “النوافذ” للعمل على تكوين فرص جديدة لتنمية الحضارة ولبناء المستقبل الأفضل.