الثورة – عبد الحميد غانم:
شكلت زيارة وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان والوفد المرافق له، وسبقتها قبل يومين زيارة الكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المرافق له لدمشق، واللقاءات التي أجراها الوفدان الروسي والإيراني مع المسؤولين السوريين، وفي مقدمتها مع السيد الرئيس بشار الأسد، شكلت دفعاً جديداً للعلاقات الاستراتيجية بين سورية وروسيا، وبين سورية وإيران.
حيث حرصت هذه المباحثات مع الجانبين على تأكيد العلاقات الإستراتيجية، وخاصة أنها تأتي في ظل تطورات جديدة في المنطقة، إذ تواجه هذه الدول تحديات مستمرة من قبل الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والكيان العنصري الصهيوني وعملاء هؤلاء الذين لا يريدون لسورية وروسيا وإيران وشعوبها أن تمر بمرحلة مريحة، وتعيش باستقرار وأمان، وهو ما يتطلب من هذه الدول استمرار التعاون والتنسيق في ظل اشتداد المعركة السياسية والإعلامية الغربية الأميركية ضدها، ما يتطلب منها ثباتاً وتنسيقاً وتعاوناً أكثر في المواقف السياسية.
لقد حرص مسؤولو روسيا وإيران في زيارتهم لدمشق على التأكيد على مسار العلاقات الإستراتيجية السورية الروسية وكذلك العلاقات السورية الإيرانية الإستراتيجية، وآليات تنميتها في كل المجالات التي تخدم مصالح العلاقات مع سورية وشعبها وأمنها واستقرارها، من أجل الوصول إلى الأهداف المشتركة، ولمواجهة الإجراءات الاقتصادية القسرية الغربية غير الشرعية المفروضة على شعوبها، وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها، إلا أنها فشلت في عزل روسيا وسورية وإيران.
لقد تناولت تلك المباحثات إلى جانب العلاقات الإستراتيجية والعلاقات السياسية والاقتصادية والنقاش حول الأوضاع الإقليمية والدولية، قضايا ذات اهتمام مشترك من بينها علاقات سورية مع تركيا، خاصة بعد لقاء موسكو الذي جمع وزراء دفاع سورية وتركيا وروسيا، فقد ناقش بعض القضايا المهمة لسورية وتركيا، لكن الخطوات العملية التي يجب أن تترجم على أرض الواقع تركت لفريق من الخبراء الفنيين في جيشي البلدين بحضور ومشاركة ممثلي القوات المسلحة الروسية، كي يتم التوصل إلى حل للمشكلات التي تراكمت بين البلدين خلال الفترة الماضية بما في ذلك الاحتلال التركي للأرض السورية، والذي يجب أن ينتهي.
لقد عبرت سورية عن موقفها الثابت والمبدئي من هكذا لقاءات انطلاقاً من الثوابت والمبادئ الوطنية للدولة والشعب المبنية على إنهاء الاحتلال ووقف دعم الإرهاب.
وأي لقاء مع الجانب التركي يعتمد على إزالة الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الراهن الذي تمر به علاقات سورية مع تركيا وإلى إنهاء الخلافات التي حلت مكان التوافقات التي بنيت عليها العلاقات السورية التركية سابقاً، حيث كانت قبل عام 2011 علاقات طبيعية قائمة على سياسات حسن الجوار والاهتمام بالمصالح المشتركة للبلدين، لكن الاحتلال التركي للأرض السورية والدعم الذي يقدمه الجانب التركي لبعض التنظيمات المسلحة هو الذي أعاق هذه الجهود.
وسورية في كل تحركاتها منذ أكثر من عقد حتى هذه اللحظة تسعى وتبذل كل جهد ممكن من أجل إنهاء الإرهاب الذي عمل على تعكير صفو هذه العلاقات ووقفها وأدى إلى ما أدى إليه من دمار للبنى التحتية وللمؤسسات الصحية والتعليمية في سورية، وحذرت كثيراً من مخاطر الإرهاب الذي ضرب سورية في فترة معينة بأنه سيضرب دولاً أخرى قريبة أو بعيدة ولا يمكن استثناء بلدان الجوار من هذا.
إن أي لقاءات سياسية يجب أن تبنى على أسس محددة تحترم سيادة سورية ووحدة أراضيها ووجود القوات المسلحة كضامن حقيقي للأراضي السورية ولأراضي الجوار، وهذا هو الشيء الذي يحدد إمكانية عقد مثل هذه اللقاءات من عدمها، لأنه لا يمكن الحديث حول نجاح إقامة علاقات طبيعية دون إنهاء الاحتلال وإنهاء الإرهاب وإعادة العلاقات إلى المبادئ التي بنيت عليها أصلاً.
وفي كل الاتصالات بين سورية مع روسيا وإيران يثبت أن روسيا وإيران تقفان دائماً مع الحق ومع المبادئ التي رسختها في سياستها الخارجية، وهي الحفاظ على وحدة أرض وشعب الدول وبشكل خاص سورية، وأن هذه العلاقات في أفضل أحوالها، وأن قيادات هذه البلدان كما أكدتها الاتصالات الرسمية بينها عازمة على توسيع هذه العلاقات وخاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية لكي تصل إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة.
والدولة السورية تنطلق دائماً في كل مواقفها من حرصها على مصالح الشعب السوري، وأنها لن تسير إلى الأمام في هذه الحوارات إلا إذا كان هدفها إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية.
وهذه الاتصالات والمشاورات بين قيادات سورية مع روسيا وإيران مستمرة ومتواصلة، وتؤكد مجدداً على التنسيق المشترك لمواجهة تداعيات التطورات العالمية والهجمة الغربية الأميركية ضد بلدانها، وستشهد خلال الأيام القادمة المزيد منها، نظراً لتصاعد الهجمة الغربية والحملات السياسية والإعلامية ضد منطقتنا وخصوصاً ضد سورية، ما يتطلب تعزيز الجبهة الدولية المشتركة في مواجهتها، في الوقت نفسه يتطلب أيضاً المزيد من تعزيز جبهتنا الداخلية المتماسكة ووحدة بلدنا الوطنية.