الثورة- عبد الحليم سعود:
عندما تقارن عدد الدول التي شاركت في العدوان على سورية وكانت طرفاً على الأرض أو داعما للإرهابيين بالمال والسلاح طوال 12 سنة من الحرب مع الدول التي هبت لمساعدة سورية لتجاوز آثار كارثة الزلزال– وبعضها دول شقيقة وصديقة – ستصاب بالصدمة وتتأكد كم هي الإنسانية مأزومة في الصميم وأن الشعارات التي تراق في المحافل الدولية وترفع على المنابر الأممية هي شعارات فارغة وخالية من أي مضمون، وتنطوي على مضامين سياسية أكثر منها مضامين أخلاقية وقيمية، والغاية منها تحقيق مكاسب أو تسجيل نقاط في الصراع القائم على الساحة العالمية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ما الفرق بين طفل أو طفلة تحت أنقاض منزل هدمه الزلزال في حلب أو اللاذقية أو حماة أو إدلب، وبين طفل أو طفلة آخرين تحت أنقاض منزل هدمه نفس الزلزال في مدينة تركية كغازي عينتاب أو مرعش أو ملاطيا أو غيرها، حتى يتلكأ معظم العالم في إنقاذ المنكوبين هنا ويهب الجميع لنجدة وإنقاذ المنكوبين هناك، فهل الإنسانية تعترف بالتصنيفات السياسية التي تفرضها الدول والحكومة انصياعا لنزعاتها ومصالحها الخاصة الضيقة..؟ ربما سيلجأ الجميع إلى قانون قيصر الإجرامي المفروض على سورية لتبرير تقصيره وإحجامه عن تقديم أو عرض المساعدة على المنكوبين في سورية، ولكن هل سأل سائل ما هو الفرق بين الظروف الصعبة التي خلفها الزلزال المدمر – وهو كارثة طبيعية تصيب الجميع من دون استثناء – والظروف الشديدة الصعوبة التي خلفها قانون قيصر في سورية – وهو فعل عديم الأخلاق والإنسانية يرتكب بحق السوريين من قبل زمرة حاكمة في البيت الأبيض– حتى تذعن الكثير من الدول والحكومات للمشيئة الأميركية التي تعتدي على سيادة السوريين وتسرق ثرواتهم الطبيعية والنفطية في أوج احتياجاتهم لها.
إن المسؤولية الأخلاقية الملقاة اليوم على عاتق المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لا تقتصر على الاستجابة المحدودة لجهود إنقاذ وإغاثة المنكوبين في سورية، وهي واجب إنساني لم تقصر فيه سورية طوال تاريخها – بل تتعدى ذلك لتشكيل تحالف دولي أخلاقي يضغط على الولايات المتحدة الأميركية لكي ترفع حصارها الظالم عن السوريين، والذي لولاه لما كانت الظروف المعيشية والإنسانية للشعب السوري بهذه القسوة، فما جرى في سورية بسبب التدخل الخارجي أكثر فداحة من الأضرار التي سببها الزلزال، ويقينا لولا الحصار والعقوبات الظالمة المفروضة على سورية ولولا النهب الأميركي المنظم لثرواتها لما كانت بحاجة لأي عون أو مساعدة من أي طرف، ولتكفل السوريون بمعالجة وتضميد جراحهم بأنفسهم، وهم الذين شهد لهم التاريخ بمد يد العون والمساعدة للكثير من دول وشعوب العالم في الكوارث الإنسانية وفي الحروب الظالمة.
لعلها من مفارقات الزمن الخائب أن يدفع البعض مئات مليارات الدولارات -باعترافاتهم المسجلة- كثمن أسلحة وذخائر من أجل التخريب والقتل والتدمير في سورية ولا تتحرك في داخله النخوة والشهامة للحظة واحدة من أجل إنقاذ عائلات بريئة تكابد وتعاني تحت أنقاض منازلها المدمرة في ظروف جوية غاية في الصعوبة.
فهل شن الحروب وافتعال الأزمات واحتلال الدول ونهب ثروات شعوبها أولى وأكثر أهمية إنسانية من مواجهة الكوارث الطبيعية وإنقاذ حياة الأبرياء ومساعدة المنكوبين يا تجار الشعارات الزائفة؟!.