من يتابع الحراك الذي انطلق منذ فجر وقوع الكارثة التي ألمت بسورية وأحدثت دماراً هائلاً في العديد من المدن والبلدات، يدرك حجم وقوة المجتمع السوري الذي توحده الآلام والمصائب، ويعمل يداً واحدة من أجل تجاوز المحن، فالسوريون أينما كانوا، وحيثما حلوا هم صناع الحياة وعشاقها، ومن يكن كذلك هو جدير بها، لهذا لم يكن مستغرباً هذا الحراك المجتمعي الذي انطلق مع الحراك الذي بدأته الدولة، وعملت الحكومة بكل طواقمها على تنفيذه، صحيح أن الكارثة كبيرة ومؤلمة وكبيرة جداً حد القول: إن ثمة مدناً منكوبة مثل: اللاذقية وجبلة وغيرهما ولكن هذا الألم الكبير لايمنعنا أن نقول: إننا فعلاً أقوياء وقادرون وصابرون وصامدون .
إن ثمة قوة خفية تولدها المحن، اللهفة والتعاطف الفعلي وليس الكلام، من كل بيت وفي كل قرية وحي وشارع وكل متجر وكل فعالية سورية ؛ رسمية أو غير رسمية ثمة عمل ومبادرات مستمرة لم تتوقف، هي هجرة القلوب إلى القلوب كما أسلفنا، وهي القدرة على أن نكون معاً يداً واحدة لايمكن أن تطبقها يد المحن.
من حوران أرض الخير وإهراءات روما بالقمح يوم كانت تطعم العالم كله، إلى الحسكة وسويداء القلب وشامة الدنيا ودير الزور درة الفرات، وكل مدينة سورية تتوالى أفعال الخير ومد جسور الإغاثة التي هي بالمحصلة لهفة على كل ما حل بنا من حرب عدوانية، إلى كارثة طبيعية عرّت قوى البغي والعدوان الغربي الذي يتاجر بكل شيء، وهو بالمحصلة أكثر سوءاً من كوارث الطبيعة نفسها، فتلك تزول آثارها ونبلسم جراحها، لكنه هو العدو الذي يعمل بخبث ودهاء .
بوركتم أبناء وطني، بوركتم أيها المترفون بالإنسانية والرافلون بحلل العطاء والنخوة والإباء، بوركت كل يد إنسانية مدت يد العون والمساعدة، وليس من باب (ضرب أحد بمنية ) كما يقال في الأمثال، لسورية قصب السبق في الإغاثة وتقديم العون لكل محتاج قبل أن يطلب ذلك وبل لم تنتظر أن يعلن أحد ما حاجته، ولن نفتح دفاتر وسجلات هذا النبل الإنساني فهو ليس ببعيد، ونظن أن الكثير من الدول والشعوب؛ القريبة والبعيدة تعرف ذلك وهي تقدره وتعلن أنها السند وستكون بلسماً للجراح وبكل ثقة نقول: ليس لعين لم يفض ماؤها عذر، إنها المحن كاشفة المعادن، وفي رصيدنا إننا شعب من الذهب المعتق تصهره الخطوب فيزداد ألقاً وقوة .