صدمة الزلزال مضت، وبتنا الآن في مرحلة إحصاء الخسائر وتحديد أولويات الأهداف خلال المرحلة القصيرة المقبلة، فالمئات من الأبنية انهارت، وضمنها آلاف الشقق السكنية، وآلاف الأسر باتت تحت رحمة القدر دون سقف يؤويها، الأمر الذي يفرض تحركاً عاجلاً لا يخضع للروتين المعتاد الذي يقيّد عملية اتخاذ القرار.. وهي الأضرار المباشرة الظاهرة للعيان.
أما الفئة الثانية من الأضرار المباشرة والتي لم تظهر بعد والتي تحتاج تحركاً سريعاً كذلك، فهي الأبنية الآيلة للسقوط المشتملة على فئتين: أولاهما التي تم إخلاء بعضها لتصدعاتها الظاهرة، والثانية التي لم تَخل من ساكنيها بعد ولكن حالتها بعد الكشف عليها واضحة للعيان، وهنا المشكلة الأكبر، على اعتبار أن من سقط أو تصدع بيته وخرج منه باتت إجراءات مساعدته واضحة، أما البيت المتصدع ومازال ساكنه فيه، فهنا الأمر يحتاج إلى سرعة التحرك لإخلاء القاطنين وإيجاد الحلول لهم.
المشكلة هنا أن من تصدّع بيته لا يمكن له بحال من الأحوال الإخلاء حتى لا تصبح السماء سقفه كمن وقع بيته، بل إن الأمر أخذ منحىً جديداً ظهر في بعض المدن المنكوبة، حيث يرفض من تم الكشف على بيته أن يخليه لغياب السكن البديل مثل وجود بيت أجار يؤويه إلى حين إيجاد الحل، وفي ذلك حق مع الطرفين: فالبلديات التي تضغط للإخلاء محقة حفاظاً على أرواح الناس، ومن يرفض الإخلاء محق حتى لا يفترش الرصيف.
لعل المسألة تفترض حديثاً مباشراً وواضحاً عن خطة اللجنة العليا للإغاثة في هذا الشأن، وتقديمها الحلول الواقعية المجدية لا الترقيعية لضمان تفاعل المواطن مع خطة الإخلاء، وبغير ذلك فلن يتم التفاعل المطلوب.
يضاف إلى ما سبق أن بعض البلديات تقوم بطلب إمضاء المواطن على أوراق الإخلاء أو -حسبما يدور الحديث- موافقة على الترميم، وهنا المواطن لا يعلم شيئاً عن مصير مسكنه، وهل هو صاحب حق في حال الإخلاء والهدم، ومن سيبني مجدداً؟ وهل يكون صاحب حق في هذا العقار مرة أخرى؟
بل هل يكون مكلفاً بالبناء مجدداً، وكل مختص يعلم أن تكلفة المتر الواحد من البناء لا تقل عن مليوني ليرة سورية وفق أدنى الأسعار.
ينتظر المنكوبون من لجنة الإغاثة أن تقدم لهم الحلول لكل هذه القضايا، ويدرك الجميع أن ما من مستحيل يمكن تحقيقه، وبنفس الوقت ما من عصا سحرية نستعملها، ولكن الركون للواقع لا يخدم إلا الشائعات والأفكار المسمومة والتحريضية في هذه المرحلة، الأمر الذي يستلزم نقاشاً سريعاً من الجهات صاحبة الشأن بخصوص الآلاف ممن فقدوا مساكنهم وممن هم مرشحون لفقدها.
السرعة هي العنصر الوحيد القادر على حل كل المشاكل، وحتى لو لم يكن الحل كاملاً فإن التحرك السريع سيقنع المنكوبين بجدّية التجاوب مع مطالبهم.
