ضرب الزلزال سورية، وأوجع أهلها، لكن السوريين أثبتوا أنهم أشجار مثمرة، ووارفة الظلال، تؤتي أكلها دائماً، وأكدت مشاهد الإنقاذ والتكافل والتعاضد بأنهم المعدن الأصيل والذهب الخالص.
خلال أسبوعين تجلى معنى وفاؤهم لوطنهم، والكلام الذي لابد من قوله هو إن الفجيعة والكارثة التي أصابت سورية أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك بأن حب السوري لأخيه السوري فاق التصور والوصف، ويعجز القلم واللسان عن التعبير عنه.
تجلت ركائز ومعالم وصورة اللحمة الوطنية السورية، فكان الجميع كخلية النحل، والكل يساهم وبكل أصالته وانتمائه وحبه ووفائه للأم سورية، وشاهدنا كيف سارع الشباب بكل شجاعة متحدين الصعاب، واندفعوا لإنقاذ إخوتهم الذين هم تحت الأنقاض والركام، ومن هؤلاء المنقذين من تضرر وتأذى لكنهم لم يتراجعوا وواصلوا الليل بالنهار عملاً متميزاً لينقذوا طفلا أو شيخاً أو امرأة.
كانت صور البذل والسخاء والكرم بأعلى معانيها، والمساعدات والتبرعات انهالت من كل المحافظات كالسيل الهادر، ومن كل بيت سوري خرجت الأمهات يطعمن ويطبخن ويرسلن ثياب أولادهن للمنكوبين.
واندفع شباب سورية للتبرع بالدم حتى إن أحد الأطفال فتح حصالته التي فيها النذر اليسير من النقود فجمعها وقال هذه لضحايا الزلزال وتلك المسنة المتقاعدة لا ننساها والتي طلبت من ولدها أن يستلم راتبها التقاعدي والذي هو قوت يومها الشهري وطلبت إرساله لمساعدة المنكوبين.
وهذا فيض من غيض مما أثبته السوريون في هذه المحنة المفزعة التي ألمت بالوطن ولا ننسى أبداً كيف طلب صاحب محل من الناس أن يأخذوا كل ما في محله من دون أن يدفعوا قرشاً واحداً.
هذا هو الحب الحقيقي للعطاء، فكل أبناء سورية قالوا كلمة الصدق قالوا لبيك يا أخي ولبيك يا أمي سورية ولن نكون إلا المخلصين والمتفانين في خدمة بعضنا البعض وخاصة أيام النكبات والفواجع وطبعاً، كما فعل الكثير من أشقائنا العرب من الجزائر غرباً إلى مسقط شرقاً.
إنها سورية التي قدمت الكثير لكل أشقائها وأصدقائها أيام المحن والابتلاء، فهي رمز الوفاء والعطاء وأهلها تربوا على شيم الكرام منذ نعومة أظفارهم من آبائهم وأمهاتهم ومن مدارسهم وجامعاتهم ونقلها جيل عن جيل: بأن لا شيء أغلى وأعز من الوطن الأم سورية.
جمال شيخ بكري