قلعة دمشق بعد استهدافها بالعدوان الإسرائيلي تنزف ركاماً… بكامل مهابتها

سعاد زاهر- فاتن دعبول:
تتسارع بنا سيارة العمل، باتجاه قلعة دمشق، محاولين تفادي الازدحام الاعتيادي في دمشق ونحن في طريقنا باتجاه شارع الثورة، اجتزنا قصر العدل وبدت أبواب سوق الحميدية التاريخي، بواجهته التي لطالما صارعت عاديات الزمن، وجابهت مرارته المتعاقبة…وبقيت…!
في نظرة أولية على محيط قلعة دمشق، تبدو مهابتها لافتة بتلك الأحجار الضخمة، الناس في كل مكانة كأن شيئاً لم يحدث، بكامل حيويتهم لكن بملمح حزين، وبإصرار غريب على تخطي ما يعتريهم من صعوبات لم نتخيل يوماً أننا سنحياها…


شعب يشبه قلعته… كأننا لم نستفق ليلاً على أصوات عدوان غادر كعادة إسرائيل في استهداف المدنيين…
هذا المزيج البشري الكثيف، الذي رأيناه خارج القلعة، كأنه يلتف حول قلعته الأثيرة يحتمي بها، وتحتمي به…
حين انعطفت السيارة بنا، ودخلنا باب القلعة الضخم…تغير الإيقاع وبدت بحجارتها الضخمة ساكنة، الكل حولها يتلمس أضرار العدوان الغادر الذي نفذه العدو الإسرائيلي على مدينة دمشق ومحيطها فجر اليوم ليستهدف أحد الصواريخ قلعة دمشق الأثرية ما أدى لأضرار مادية كبيرة فيها ودمار جزء كبير من المعهد التقاني للفنون التطبيقية.


بالكاد تمكنا من السير وسط الركام، حيث الأوراق التي تحمل في ثناياها كل ثمين يخص قلعتنا التاريخية…!
كأننا إنزلقنا تحت الركام، ممزقين كتلك المستندات والأوراق التي يرمي بها الهواء يميناً وشمالاً…
أي نكبة تضاف إلى نكباتنا…؟
وأي عدو غادر نواجه…؟
حتى الحجارة تلملم جراحها معنا لننهض من جديد…
لماذا يستهدف مكان تعليمي وأثري…؟!
بداية توجهنا إلى المدير العام للآثار والمتاحف السيد نظير عوض، لنعرف ما هي خطته الأولية في تقييم الأضرار…؟
سيتم تقييم الأضرار في الساعات الأولى، من أجل تقديم تقرير تفصيلي بحجمها، وهذا ما يقوم به الخبراء، من خلال جولة في أقسام القلعة للوقوف على الأضرار.


المستهجن في الأمر، أن العدوان استهدف مكاناً تعليمياً فيه معهدين لتعليم الطلاب، وفيه إدارة لقلعة دمشق، وهي جزء من مدينة أثرية مسجلة على لائحة التراث العالمي.
الصاروخ الذي سقط صباح اليوم جراء العدوان الإسرائيلي داخل القلعة، وغير بعيد عن أسوارها أدى إلى دمار واسع في أكثر من مكان..
سنبدأ من المبنى الأبعد عن عدسات الكاميرا، وهو المعهد المتوسط للآثار الذي يعلم الطلاب الكثير من العلوم، التي لها علاقة بعلم الآثار وهو معهد بناؤه تاريخي أثري تعرض لأضرار بالغة والكثير من التصدعات، ربما لم يعد صالحاً، لاستقبال الطلاب ونحن في منتصف العام.


المبنى الآخر الذي دمر كلياً بكل محتوياته وأساساته وما فيه من أجهزة ثمينة، هو المعهد المتوسط للفنون التطبيقية، الذي يتبع لوزارة الثقافة، ويدرس الكثير من الفنون التطبيقية، المتعلقة بكثير من الصناعات الإبداعية ( السينما، النحت، الرسم..).
هذا المعهد تعرض لدمار كامل، بمحتوياته من أجهزة ومنها ما يستخدم للتصوير في تدريب الطلاب، على التصوير السينمائي والفوتوغرافي، أصبح معظمها تحت الركام.
هذا بالإضافة الى الحواسيب، والتجهيزات الأخرى، إضافة إلى المبنى الإداري لمشروع قلعة دمشق وهو مشروع رائد منذ (20) عاماً على الأقل فقد تعرض إلى دمار واسع بكل محتوياته، وخاصة الأجهزة المساحية، وأجهزة التصوير ثلاثي الأبعاد وأجهزة الرفع الهندسي تعادل كلفة الجهاز الواحد أكثر من المبنى نفسه، كلها تعرضت للتلف، وكنا قد اشتريناها على مدار سنوات طويلة.
إضافة إلى الأرشيف الرقمي والورقي المتعلق بتاريخ القلعة، وكل المشاريع المزمع إقامتها وكلها دراسات مدفوعة الثمن، دمرت بالكامل.
إعادة تدوير الركام بمنهجية…!
بالتأكيد سيقوم الخبراء والمهندسون السوريون وبعض العاملين في القلعة بتقييم الأضرار وإدارة الركام، إدارة منهجية لأنه يحوي بداخله الكثير من العناصر الأثرية، ليصار إلى اتخاذ الإجراءات الصحيحة، لإعادة بناء ما نحن بحاجة إليه.


كل الاتفاقيات الدولية، تمنع استهداف المواقع الأثرية والمدنية، والقلعة موقع سياحي أثري بامتياز مسجل على لائحة التراث العالمي، تعرض لهذا الضرر الواسع الذي أدى الى إتلاف الكثير من الوثائق المهمة، والمستغرب أن تستهدف قلعة دمشق رغم أن وظيفتها تربوية تعليمية، سياحية تعريفية…
باعتبار أن قلعة دمشق مسجلة على لائحة التراث العالمي، سيصار إلى تقييم الأضرار إلى منظمة اليونسكو، وعليها أن تقوم بإجراءات تجاه هذا العدوان الذي طال موقعاً أثرياً مسجلاً على لائحة التراث العالمي.
تخيلي أن تأتي إلى مكتبك فلا تجدي سوى الركام…!
المهندس ادمون العجي، موظف في قلعة دمشق، ومدير سابق للقلعة:
الصاروخ استهدف مقر إدارة مشروع قلعة دمشق، وهي كتلة شبه حديثة، تعود إلى نهايات الفترة العثمانية، وبداية فترة الانتداب الفرنسي، وهي كتلة مستطيلة يقارب طولها (40) متراً، وبعرض 6 أمتار تضررت بالكامل.
إضافة إلى جوارها من القلعة السلجوقية، الأقدم من الجهة الشمالية، الضرر كبير جداً على صعيد الممتلكات الثابتة، والممتلكات التقنية لأن القلعة هي مقر لمعهدين تقنيين متوسطين، وكلاهما يحتويان على مخابر المعلوماتية وتجهيزات التصوير.


لا يوجد كلمات تساعدنا على الوصف، لواقع يندى له الجبين، وسط هذا الصمت العالمي، حول هذه التجاوزات العدوانية من قبل إسرائيل على وطننا الحبيب.
طارق السواح، رئيس قسم التصوير الضوئي والتلفزيوني في معهد الفنون التطبيقية:
الواقع مؤلم جداً، لأنه استهدف منطقة أثرية تعليمية تخرج أجيالاً..
الطلاب جاؤوا كعادتهم للدوام في معهدهم فكانت الصدمة كبيرة، حيث فقدوا ورشاتهم وتجهيزاتهم، من هول الصدمة أصيبوا بذهول وحزن شديد لما آل إليه حال معهدهم.
المهندسة سوسن خليفة معاونة مديرة قلعة دمشق غالبتها الدموع وهي تتحدث عن سقوط الصاروخ على مكتبها الذي أمضت فيه ثلاثين عاماً، قائلة لا أصدق ما أراه مكاتبنا دمرت بالكامل، كل الأضابير..
أنا حزينة جداً الوثائق عمل 40 سنة، كلها دمرت بالكامل، المفروض أن نفتتح معرضاً خلال أيام…!
تخيلي أن تأتي إلى عملك صباحاً فتجدي مكتبك ركاماً…!!
تصوير: فرحان الفاضل

آخر الأخبار
قمة فوق سوريا... مسيرات تلتقي والشعب يلتقط الصور لكسر جليد خوف التجار..  "تجارة دمشق" تطلق حواراً شفافاً لمرحلة عنوانها التعاون وسيادة القانون من رماد الحروب ونور الأمل... سيدات "حكايا سوريا" يطلقن معرض "ظلال " تراخيص جديدة للمشاريع المتعثرة في حسياء الصناعية مصادرة دراجات محملة بالأحطاب بحمص  البروكار .. هويّة دمشق وتاريخها الأصيل بشار الأسد أمر بقتله.. تحقيق أميركي يكشف معلومات عن تصفية تايس  بحضور رسمي وشعبي  .. افتتاح مشفى "الأمين التخصصي" في أريحا بإدلب جلسة حوارية في إدلب: الإعلام ركيزة أساسية في مسار العدالة الانتقالية سقوط مسيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في  السويداء.. تصاعد إصابات المدنيين بريف إدلب تُسلط الضوء على خطر مستمر لمخلفات الحرب من الانغلاق إلى الفوضى الرقمية.. المحتوى التافه يهدد وعي الجيل السوري إزالة التعديات على خط الضخ في عين البيضة بريف القنيطرة  تحسين آليات الرقابة الداخلية بما يعزز جودة التعليم  قطر وفرنسا: الاستقرار في سوريا أمر بالغ الأهمية للمنطقة التراث السوري… ذاكرة حضارية مهددة وواجب إنساني عالمي الأمبيرات في اللاذقية: استثمار رائج يستنزف الجيوب التسويق الالكتروني مجال عمل يحتاج إلى تدريب فرصة للشباب هل يستغلونها؟ تأسيس "مجلس الأعمال الأمريكي السوري" لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دمشق وواشنطن تسهيل شراء القمح من الفلاحين في حلب وتدابيرفنية محكمة