الثورة – لميس علي:
بحسب الفيلسوف والناقد الفرنسي غابرييل مارسيل فإن الإنسان الحيّ حقاً هو “من يتحلّى بروح مبدعة”، ولا يقتصر معنى الإبداع، هنا، على الفنون الجميلة والأدب فحسب، إنما تتجلّى الروح المبدعة بمنح جزء من أنفسنا للآخرين بالحبّ الصادق دون أي مقابل، وبالتالي، كلّما أحبّبنا بصدقٍ، كنا أحياء أكثر.
الإنسان المبدع بهذا المعنى هو إنسان حي، والعكس صحيح، بهذه الطريقة يتوازى معنى الحياة والإبداع.
والقدرة على التقاط تلك (الروح المبدعة) تعني الوصول إلى ضفة “الآخر” وملء الفراغات وتقليص الفجوات بيننا وبين الآخرين.
ألا يلزم كل ذلك قدرة على التواصل قبل أي شيء آخر، مع ذواتنا..؟
أنت مبدعٌ بطريقة فهمك لنفسك.. أنت مبدعٌ بطريقة عيشك.. وقدرتك على فك شيفرة أعمق طبقات “الأنا”.. وبقدر ما تبدع بهذه الأمور، بقدر ما تكون حياً بحق، وربما استطعت أن تنقل عدوى (الحياة/الإبداع) بهذا الفهم، للآخر/الآخرين، ونقل هذه العدوى يكون عبر الحبّ، بمعنى إقامة روابط حيّة وعلاقات خلّاقة مع الآخر.
على هذا النحو، يغدو الحبّ الصادق لدى “مارسيل” شكلاً من أشكال الأمل.. وهو بالآن عينه من أسمى أشكال الإبداع، كأنه يجعل الأمل دافعاً للإبداع.. يقول “مارسيل”: (الأمل هو ما يمنحني القوة على أن أخلق ذاتي مجدداً عبر حضوري الصادق ومن خلال توفّري للآخر).
المزيج الأكثر تميّزاً ليغدو الإنسان حيّاً بالفعل يتكون من ثلاثية (الحبّ، الإبداع، الأمل) التي تمنح خلاصتها روحاً متجددة.
فالإنسان الذي يتجدّد بأداة الأمل يمتلك طاقة تمنحه إمكانية الإبداع الحقيقي بما يعنيه من خلق علاقة حيّة مع الآخر من خلال (الحبّ الصادق).. فما هو الفعل الإبداعي الأصعب والأجمل بذات الوقت، والذي يجعلنا أكثر تجدّداً وحياةً..؟ إنه فعل الحبّ.. لأنه يمنح القدرة على التواصل والاتحاد بالرغم من كل الاختلافات ومن دون أي مقابل.
أن تبدع في الحبّ يعني ألا يكون الحبّ مجرد شعور عابر أو شيء لحظي.. الإبداع في الحبّ هو فعل حيٌّ ومستمرٌ وصادق، “خلق” دائم لعلاقة إنسانية تتجدّد وتتطوّر من خلال الفعل الإبداعي المتمثل بحزمةٍ من أفعال واعية قائمة على قاعدة (الشغف) البعيد كل البعد عن أي تكلّف أو تكلّس أو اعتيادية.
بهذا المعنى يغدو الحبّ طاقة خلّاقة تمنح إمكانية العطاء للآخر من خلال علاقة تُبنى على جذر الإبداع.. والإبداع لدى “مارسيل” هو خلق (المعنى) من خلال (الحبّ).
ابتكار (المعنى) داخل “العلاقة” يكون عبر الصدق والصبر والتفهّم العالي، ألا نكرر أنفسنا، بل أن نبدع باكتشافها بأداة الحبّ الصادق والذي هو أن تحتفظ وتُبقي على ذاك التماس الصادق بالرغم من كل المخاوف والمخاطر والاختلافات ولهذا هو فعل إبداعي بامتياز لا يقوم على حاجة أو استهلاك أو تملّك.