علا مفيد محمد:
من منّا ينسى زملاء وأصدقاء وأقارب قضى معهم من الوقت ربما أكثر مما أمضاه مع عائلته ومع نفسه حتى .. من منّا لا يحتاج قليلاً من ذاك المزيج السحري القادر على أن ينسيك همومك و أسوأ مصائب الدهر.
إن علاقة الأصدقاء تعتبر من أرقى العلاقات عندما تقوم على الانسجام ودماثة الخلق لما لها من تأثير واضح على النفس البشرية، فعندما تهبُك الحياة صديقاً ناصحاً، مساعداً، معيناً، مهنئاً، مواسياً إذا ألمت بك الخطوب، يصبح فراقه صعباً جداً،حتى أن البعض يحزن لفراق الصديق، كحزنه لفراق الحبيب وربما أكثر.
في هذه الأجواء المزدحمة بالمآسي تتكرر لحظات الوداع في حياتنا ولعل من أصعب المشاعر تلك التي يشعر بها الإنسان حين يودّع من يُحب سواء كان هذا الوداع لا رجعة فيه كالموت، أو الهجرة الطويلة من المكان، أو من خلال توديع الأصدقاء المسافرين إلى حين.
مشاعر صعبة بالتأكيد وكأن جزءاً منك يموت و لا يعود كما كان.
في لحظات من التأمل البطيئة والسريعة تجتاحنا تلك الذكريات القديمة لتوقظ فينا صورهم التي غابت عنا، فتلمع العيون، وتعلو صيحات القلب متشبثةً بذلك الصديق وتلك الرفيقة وذاك القريب و لا نملك حينها إلا يداً تلوّح للمسافر علّه يعود يوماً.
إحداهنّ عبرت عن وداعها لصديقتها التي سافرت بمنحة دراسية خارج البلاد.
فقالت : رحيل صديقة عمري وإن كان لسنوات، ترك فراغاً لم أكن أتوقعه، أحسست بأنني فقدت جزءاً من روحي حتى أنني امتنعت عن الذهاب والتردد إلى الأماكن التي كانت تجمعنا كي لا أشعر بألم الفقد.. ذاك كان وداعاً على أمل اللقاء فكم هو شاقٌّ إذاً ذلك الوداع الأبدي؟
أيضاً بدموعٍ تحرق وجنتيه و أنين يفطر القلوب نعى الطفل كريم أصدقاءه الذين كان يلعب معهم كرة القدم كل يوم في ساحة المدرسة بعد أن قضوا تحت ركام الأنقاض بفعل الزلزال الذي أصاب بلادنا حيث قال : محمد، وعمار، و يوسف، كلهم ذهبوا.. كلهم ماتوا.. مع من سألعب.. تركوني وحدي.
ليشكي بعده الطفل جعفر حزنه على فراق صديقه بعبارة» لقد خسر صديقي منزله في الزلزال و قرّر أهله أن يسافروا إلى محافظة أخرى للاستقرار هناك.. لم أعد أطيق اللعب بعد رحيله».
أصدقاؤنا الذين رحلوا عنا تركوا ذكراهم وذكرياتهم تحيط بنا من كل جانبٍ أينما حللنا.
هكذا هي الحياة قدرنا فيها أن نلتقي وقدرنا أن نفترق و ربما تتكرر الأقدار.