غصون سليمان:
كثيرة هي الآثار التي تظهر على الناجين من الكوارث الطبيعية أو المصطنعة حيث تتباين ردود الأفعال النفسية والسلوكية والعقلية.. وقبل الدخول بالتفاصيل لابد من التمييز بين الكوارث الطبيعية من زلازل فيضانات، براكين، أعاصير، أما الكوارث المصطنعة، فتتبدى بالحروب والنزاعات المسلحة، حوادث السير والسكك الحديدية، السقوط من أماكن مرتفعة، عصيان أو بقاء شخص أو أشخاص في المصعد نتيجة عطل طارئ، أو وجود البعض في أماكن مظلمة، الاستيقاظ أثناء العمل الجراحي إذا كانت كمية التخدير أقل من المطلوب فيرى المريض ما يفعله الجراحون بمنطقة معينة من الجسم، وهذه جميعها هي مصادر للصدمات النفسية.
وحسب رأي الدكتور حسام الشحادة المختص بالدعم النفسي في فترات الكوارث الطبيعية المصطنعة فإن الآثار النفسية والسلوكية أكثر ما تظهر على الأطفال والمراهقين، ومتغير الجنس الذي يلعب فيه عامل الذكورة والأنوثة دوراً من ناحية الخوف، والقلق، والهلع، وسلوكيات لا إرادية مثل التبول اللاإرادي،كوابيس ليلية، أحلام يقظة، اضطرابات النوم، ودقات القلب وارتفاع ضغط الدم، والضغط التنفسي، أو الأرق والبكاء المتواصل غير المبرر أحياناً، وبالتالي تكون الصلابة النفسية، أو الثبات النفسي أقل من المستوى الطبيعي نتيجة عوامل أسرية ربما أو وجود هشاشة ما معينة.
ساعة الصفر
ونوه بأن البنية النفسية والجهاز النفسي والعقلي والسلوكي كمثال غير قادر على تحمل آثار الصدمة خصوصاً إن كان عمر الضحية من مرحلة الطفولة أو المراهقة وتوالت عنده الصدمات النفسية، فقد يكون هذا الطفل وذاك اليافع قد شهد وعايش أحداثاً خلال الحرب العدوانية على سورية، أو شهد أحداثاً إرهابية معينة، ومن ثم تتالت عليه أحداث أخرى لها علاقة بكارثة الزلزال، ما يدخل المرء بانهيارات عصبية تتطلب تدخل الطب النفسي.
وقال الدكتور الشحادة: نحن كداعمين نفسيين نقف في الوسط بين المسعف النفسي، وداعم نفسي.. وفي الحالات التي تفوق قدرتنا كداعمين نفسيين نضطر لمؤازرة وتدخل الطب النفسي، للتأكد من سلامة الجهاز العصبي، والنشاط الكهربائي بالدماغ، والتأكد من استهلاك الطاقة من سكر وأوكسجين بالدماغ إن كانت طبيعية، والتأكد أيضاً من عدم وجود خلل بالدماغ نتيجة الصدمة النفسية، والتأكد من وظائف الدماغ من ناحية التركيز وسلامة النطق، موضحاً أنه من ساعة حدوث الكارثة التي نسميها ساعة الصفر وحتى ثلاثة أشهر، فالوضع طبيعي لصدمة الكوارث، حيث يلعب عامل الزمن والدعم النفسي المقدم من البيئة الاجتماعية كالوالدين على سبيل المثال لا الحصر دوراً إيجابياً قد يكون كافياً إلى حد ما مع وجود شيء من الصلابة النفسية والثبات الانفعالي، والقدرة على استيعاب الصدمة من الناحية العقلية والانفعالية، والتي تمكن الشخص من التعاطي والقدرة على ممارسة أسلوب التفريغ الانفعالي.
وإذا كان السؤال هل من تأثير للكارثة الطبيعية على المدى الطويل يرى شحادة بأن المعيار الرئيس بعد مرور ثلاثة أشهر هو مدى تأثيرها على الحياة الوظيفية والتي تقسم إلى ٤ مجالات منها: الحياة الأكاديمية سواء المدرسة أو الجامعة، الحياة المهنية، الحياة الأسرية، والحياة الاجتماعية بشكل عام.
ولتوضيح الصورة قد نلحظ من خلال الحياة العملية ما نعرفه عن شخص ما كان مواظباً على الدوام، وهولطيف المعشر متقن لعمله قريب من زملائه، وفجأة تغيرت أحواله وانقلب مزاجه فلم تعد نشاطاته كما كانت، ولم يعد يستقبل زملاءه أو يتناول قهوة الصباح معهم ،أمام هذه الحالة نحن كداعمين دائماً ننصح بالصدمة بالنسبة للأطفال والمراهقين، وتحديداً الطفولة المتأخرة، وبداية المراهقة، والمراهقة المتوسطة وبداية ومرحلة الشباب والبلوغ بأنه بعدم منع الضحية من التفريغ انفعاليا ًبالطريقة التي يراها الشخص مناسبة أو بما يتناسب مع شخصيتها، فنحن لم نمنع الشخص الطفل بعد إنقاذه كإسعاف نفسي أن يسمح له بالبكاء، وأن يفرغ مافي داخله من ضغوط، فلدى الإنسان عقل واع، وعقل لاواع، أو مستوى الشعور أو مستوى اللاشعور، ونظراً لوجود الذكريات المؤلمة يخشى الداعمون النفسيون أن تتحول من مستوى الوعي إلى مستوى اللاوعي وتظهر فيما بعد على شكل كوابيس ليلية، تبول لا إرادي، فقدان نطق، اضطرابات الكلام، العزلة الاجتماعية، وأحياناً القلق والهلاوس التي قد تصيب الطفل او المراهق بمراحل عمرية معينة من عمر الصدمة، وتالياً من الواجب أن يتيح الداعمون للضحية التفريغ الانفعالي، لتأتي بعده مرحلة الاحتضان العاطفي.