لا يجوز الاسترخاء أو الاعتياد على تكرار اختناقات الإنتاج الزراعي، بين ندرة حتى التأزّم ووفرة حتى الكساد.. لأن بقاء مثل هذه الدوامة يذهب بأصابع الاتهام إلى شيء اسمه “التخطيط”.. التخطيط والإدارة وضبط قطاع هو الأهم على الإطلاق مهما ذهبنا بعيداً في طموحاتنا نحو آفاق صناعية ثقيلة ومتوسطة.. لأننا بلد زراعي حتى لو بات بعضنا يحاول الهروب من هذه الخاصية والميزة وكأنها تهمة، والقطاع الزراعي هو أس الأمن الغذائي في زمن بات هذا المصطلح حساساً ومعقداً.. بل وتحدياً أمام حتى كبريات الدول الصناعية.
التخطيط الزراعي.. تخطيط الإنتاج هو الحلقة الناقصة والحيثية التي ارتبكنا عندها مطولاً، وهذه ليست تهمة بل هي واقع علينا الاعتراف به لنبدأ بالحل، أي لنخطط كيف “سنخطط” لأهم وأكبر قطاع إنتاجي.
طبعاً.. لا يمكن أن ندخل في مواجهة مع مثل هذا التحدي دون التقاط ناصية الإدارة لشقين متلازمين هما الإنتاج الزراعي والتصنيع الزراعي، وعند الأخير “التصنيع” تكمن كلمة السر في الخروج من أزمات الزراعة، وفي ضمان عائدات مجزية للفلاح، واستدامة وفرة احتياجات الاستهلاك، وأيضاً في تحقيق قيم مضافة إنتاجية والتخلص من تهمة تصدير المنتجات خاماً.
هذه حقائق يعرفها الجميع، لكن اللافت أن إدراكها لم يحفز حراكاً جاداً على مستوى الوزارات المعنية والحكومة مجتمعة، من أجل بلورة خطة مع إجراءات تحفيزية وأخرى ملزمة صارمة لإنعاش قطاع التصنيع الزراعي الضعيف والخجول قياساً بما نملك من إمكانات.
وعلى سبيل المثال الآني والقريب.. فإن خروج معمل تجفيف البصل عن الخدمة سبب ارتباكنا في إنتاج وتسويق هذا المحصول.. لأن تصنيع المادة يضمن امتصاص الفائض، كما يؤدي إلى مخرج جاذب للأسواق الخارجية.. أي لا اختناقات تحصل في أي منتج بوجود منشآت تصنيع الفائض.. هذا مجرد مثال يمكن سحبه على كامل سلة الإنتاج الزراعي السوري.
ننتظر أن نسمع ونقرأ قريباً عن اجتماع حكومي موسع يشمل الاتحادات والنقابات وغرف الصناعة والزراعة لوضع خطة شاملة لإنعاش قطاع التصنيع الزراعي، اجتماع تنبثق عنه لجنة مركزية ولجان فرعية؛ بما يشبه “غرفة العمليات” وغرف العمليات ليست للحالات الطارئة وحسب.
بانتظار “ورشة” حقيقية لإنجاز استحقاق استراتيجي أكثرنا الحديث بشأنه دون أن نفعل ما يدفع عنا تهمة التلكؤ.. ولا نقول الإخفاق.
نهى علي