كثير من الأزمات أفرزها الزلزال الذي ضرب البلاد مدمراً أجزاء غير هينة من حلب وجبلة ومناطق أخرى تفاوتت فيها نسب الدمار والأضرار، محدثاً نقلة مهولة في حياة من تضرروا منه والذين انتقلوا برمشة عين من سكان إلى مفترشي أرصفة أو قاطني مراكز الإيواء بين جماعية وعائلية.
إن كان من بداية موفقة لمعالجة هذه الأزمة، فهي بناء المساكن لهؤلاء الذين لا يملك غالبيتهم تكلفة ترميم غرفة واحدة من غرف بيوتهم فما بالك ببناء مسكن جديد أو اقتراض ملايين الليرات للترميم وحصراً الترميم، ليكون من سقطت أبنيتهم معلقين بين الاقتراحات التي لم تتطرق حتى اليوم إلى حل منطقي، ويتماشى مع أوضاع الأفراد ومحدودية دخلهم وقدرتهم المادية شبه المعدومة.
آلاف المليارات من الليرات السورية تتكدس في صناديق المصارف وخزائنها دون استثمار لها أو تسليف حقيقي يتناسب مع عُشر الموجود منها، في حين يمكن المباشرة باستثمار هذه الأموال في إنقاذ مشردي الزلزال عبر مشاريع سكنية جماعية ولتكن تحت مسمى المشروع الوطني، بحيث يمكن للجهات القادرة على ذلك من محافظة أو اتحاد تخصصي أو غرف تجار وصناعة أو حتى شركات مقاولات خاصة، يمكن لها ذاتها الاقتراض من المصارف وبمبالغ لا تقل عن مئات المليارات لبناء مشاريع سكنية عاجلة ولو كانت مسبق الصنع، كما هو الحال في منطقة برزة بدمشق التي بنيت بالكامل من الغرف مسبقة الصنع، وإسكان كل من سقط بيته ودون تقاضي قرش واحد منه.
أما عن تكلفة ذلك ومن سيدفعها، فيمكن بحسبة تجارية بسيطة للجهات التي يفترض أن تتولى الأمر البناء وتسليم الشقق للمتضررين والاحتفاظ بالمرافق الخدمية والتجارية في كل مشروع من محال ومستودعات وصالات وحتى مرائب للسيارات، وكلنا يعرف أسعار العقارات المرخصة تجارياً والتي تفوق السكني بعدة أمثال إن لم يكن أضعاف، الأمر الذي يجعل من كل مرفق يغطي ثمن عدة شقق وعلى هذا المنوال يتم الأمر، فالمواطن قد حصل على بديل بيته والمنفّذ حصل على ربح جيد إن لم يكن من العقار التجاري ذاته (إن اعتبرنا أثمان التجارية مساوية للسكنية)، فن الاستفادة من استثمار العقار التجاري ليدر عليه عائداً ممتازاً، لاسيما وأن كل عقار تجاري يشهد سباقاً لتملكه بين رؤوس الأموال المهتمة.
لعل هذا الحل يتطلب بداية استمزاج الآراء وتحديد المهتمين أو ربما المكلفين به، ليصار إلى استصدار تشريعات استثنائية مرنة ولو لمدة محددة تنتهي شروطها بانتهاء المشاريع المطلوبة، مع تحديد نسب تحمّل لكل مصرف من المصارف تبعاً لسيولته، وعدم وقوعه في فخ العجز عن تلبية السحوبات.
السابق
التالي