حسين صقر:
من منا لم يزر طبيباً تربطه به علاقة قرابة أو نسب أو حتى صداقة، بالتأكيد لاغنى لأحد عن ذلك، ولكن المشكلة بالأغلب لاتكن بالمريض إنما بالطبيب نفسه، وذلك نتيجة خوف هذا الطبيب على المريض المقرب، ولهذا ترى البعض منهم في أحيان كثيرة مرتبكاً خائفاً ليس لعدم ثقته بنفسه، إنما خوف على هذا المريض، وخاصة إذا كان من أفراد عائلته تحديداً.
وهذا ما يدعى بمتلازمة المعارف، أو الخوف من خطر مزعوم قد يحصل لهم أو يهدد صحتهم وحياتهم، ولهذا تراه يبتعد عن إجراء العمليات الجراحية أو الصعبة التي تحتاج إلى الدقة والتركيز، لأن انتباهه سوف يتشتت بين تلك العملية، والنظر إلى هذا الشخص فيما إذا سيصيبه مكروهاً على يده.
ويروي الطبيب «ح. س» حادثة حصلت معه عندما كان يجري عملاً جراحياً لوالده المصاب بقرحة معدية، وكيف تردد بالدخول إلى غرفة العمليات، لولا تشجيع زملائه له، وأنه على العكس سوف يكون حريصاً جداً على صحة والده، وهم يقفون إلى جانبه ولن يغادروا غرفة العمليات حتى الانتهاء وخياطة الجرح، وتابع مع أن الخوف لازمني، والعرق كان يتصبب مني، إلا أن تركيزي فقط كان بالعملية والنتائج الجيدة التي يجب الحصول عليها لإنقاذ والدي من ذلك الألم الذي يرافقه منذ زمن بعيد.
وقالت الدكتورة «أ. ص» وهي طبيبة أسنان: إن حالة من الخوف والوجل انتابتها عندما دخلت والدتها العيادة بهدف خلع أحد الأضراس المكسورة وخاصة عندما رأت صورة الأشعة وعرفت أن الحالة صعبة، حيث المريضة والدتها، لكن ثقتها بنفسها جعلتها تتغلب على خوفها، وبكل قوة وإصرار بدأت التحضير للخلع بعد أن أعطتها حقنة المخدر، وبعد محاولات حثيثة انتزعت الضرس وكأن شيئاً لم يكن، ولم تصدق ذاتها.
من ناحيتها قالت الطبيبة «م. ش» إن خطأ حصل مع ابنة عم لها، نتيجة خطأ أحد الأطباء الذي حولها إلى عيادتها، لكون حالة المريضة تستدعي زيارة طبيبين، وبالفعل حصل الخطأ، ولكن حظي المريضة والطبيبة معاً، ساعد على استدراكه قبل فوات الأوان.
بينما الطبيب الذي أعطى ابنة عمها التحويلة إليها، تنصل من المسؤولية وتهرب ولم يعترف بأنه السبب، لكن تلك الحالة شكلت خوفاً لدى طبيبة الأسنان، واستمرت على هذا الحال حتى فترة طويلة، إلى أن استعادت ثقتها بنفسها، وعاودت علاج أقاربها دون أي خوف أو ارتباك.
أما طبيب القلبية «ج. ن» فقال: إن حالة احتشاء قلبي أصابت أخاه، وتم الاتصال به مع طلوع الفجر، فأصابته حالة من الذهول لأن المريض أخوه، وعلى الفور توجه إلى العيادة وأجرى له الفحوصات اللازمة، وعندما تبين بعد القثطرة أنه لحاجة لعملية قلب مفتوح دخل بحالة من الخوف الذي لم يفارقه، وبدأ يتخيل ما سيحصل لأخيه فيما لو أجرى له العملية التي بدت نسبة نجاحها قليلة، وكيف سيمضي بقية عمره إذا أصاب أخاه مكروه أثناء العملية، وبعد رفضه المشاركة، وبقائه خارجاً لفترة قصيرة، لم يطاوعه قلبه، ثم استعاد قواه ودخل غرفة العمليات بكل ثقة، حيث كان التحضير لها قد بدأ، ثم دخل وأجرى العملية بنفسه التي نجحت، وكانت سعادته لاتقدر، وخاطب ذاته بأن الخوف الذي خالجه لم يكن إلا وهماً وجب التغلب عليه.
ما يتضح مما سبق أن الخوف على الأقارب والأحبة وحتى على المرضى الذين لم يعرفهم الأطباء عامل طبيعي، ولايخاف إلا العاقل، لكن الغرق في ذلك الخوف يجعل الإنسان مقصراً عن أداء واجباته.
وذلك ينطبق على معظم المهن، إنما مهنة الطب أكثرها لأن التعامل مع الأرواح يحتاج إلى التركيز والانتباه والحذر.